قد يكون متاحا أمام كل "ملياردير" أو رجل أعمال أن يفاخر أمام الفقير ب"لباسه"، قد يرتدي ثوبا قيمته آلاف الدولارات، أو بدلة قيمتها كفيلة بتأثيث منزل "فقير"، ما عدا في "لباس" الحج، الذي قضت الحكمة بأن يكون عباد الله سواسية. حتى أحدث مصانع القماش في العالم لم تتمكن حتى الآن من صنع إحرام تفوق قيمته ال 120 ريالا؛ لأن لباس الإحرام يعصي التفاخر، بشرط جوازه المقرون بأن يكون خاليا من المخيط وزخارف الذهب والتطريز، ليصمد هذا اللباس ممثلا لصورة المساواة بين الغني والفقير. إن من يتجول في أنحاء مشعر عرفات، ويراقب حجاج بيت الله وهم يسيرون باتجاه الجمرات أو في طرقات المشعر، ويتأمل ألوانهم وأجناسهم، فقيرهم وغنيهم، يجد أنهم يرتدون لباسا واحدا، قيمته تتراوح ما بين 30 و 120 ريالا، ويثق المتأمل حينها أنها حكمة الله في خلقه. ورغم تطور تقنيات الصناعة، ونسج القماش، وآلات التطريز، إلا أن قماش الإحرام ظل صامدا، وسيظل رمز المساواة ما بقي البشر، حاملا شروطه القاضية ب"الزهد"، والبعد عن المخيط والتطريز. صناعة الإحرام تطورت بحلول عام 1800م، عندما بدأ الفرنسي جوزيف ماري تشارل الملقب ب"جاكار" في الانشغال باختراع منسج يدار بالقدم، لكن أيّا من اختراعاته لم تعمل بشكل جيد، وفي عام 1801م، عرض جاكار اختراعه الذي باستطاعته أن ينسج الحرير المنقوش بشكل أوتوماتيكي في المعرض الصناعي في باريس، دون أن يعلم الصانع الفرنسي أن اختراع هذه الصناعة الأتوماتيكية للقماش سيسهم في إبقاء سعر الإحرام رخيصا، وسيكتسي به نحو ملايين المسلمين سنويا في موسمي الحج والعمرة، إذ تنسج الإحرامات حاليا بطريقة جاكار، وهي قماش منسوج أتوماتيكيا، ويحمل نقوشا خفيفة من ذات نوعية القماش. مصانع أخرى انتشرت في الصين والهند وبنجلاديش بهذه الطريقة في أسواق موسمية توفر ملايين الأمتار من القماش الأبيض المصنوع في الغالب من القطن الطبيعي، فيما يلجأ البعض لاستخدام آلياف صناعية في صناعة قماش الإحرام، إلا أن مصانع في عدة دول عربية بدأت توفر إنتاجا كبيرا من القطن، مما أدى إلى انتشار هذه الصناعة، ليستقر سعر الإحرام عند 30 ريالا كحد أدنى، و120 ريالا كحد أعلى.