تعد تقنية "الفيس بوك" من أهم التقنيات التي ظهرت خلال العقد الماضي على يد (مارك زوكر بيرج) ومارست تعزيز التواصل الاجتماعي وحققت مآرب العولمة بتحقيق نتائج كبيرة في قوربة العالم، وهي تستحق في ذاتها دراسة عميقة لأبعاد صناعتها للتوجهات الفكرية، بيد أن الدراسة هنا تركز على تقنية الفيس بوك من وجهة أدبية، حيث تفاعل الشعراء مع معطيات هذه التقنية لما تحمله من سهولة اتصال واسعة المحتوى وقدرة على تعزيز التواصل بطرق الملتوميديا الكاملة (الصوت والصورة والكلمة) إضافة إلى سهولة التواصل والتعليقات المباشرة بين المبدع وجمهوره، مما أتاح لها حضورا وتمكنا على مدى العقد الماضي وما زال. وقد حضر الشاعر السعودي عبر هذه التقنية واستطاع أن يفيد منها في اتجاهات شعرية متعددة يحاول البحث الكشف عن بعضها. ولا شك أن هذه التقنيات قد قدمت خيرا للتجربة العربية الشعرية وللمبدع الذي يستشعر دائما، كما يقول الدكتور سعيد يقطين، الحاجة إلى وسائط جديدة للتواصل. ولعل العصر الرقمي وبما تحقق فيه من الوسائط المتفاعلة (الحاسوب وبرمجياته وعتاده الذي يجتمع فيه الصوت بالصورة) يترجم جزءا كبيرا من هذه الرغبة، كما أنها قد وسعت من دائرة حضورها ودفعت بها إلى الخروج من أزقة التيه وأفق النخبوية الضيق إلى أفق أرحب، التقى فيه المبدع بجمهور يتسع على مستوى مساحة الإبداع العربية بلا حدود. تلك الصفات البصرية التي تشكل علامات سيميائية أحاطت بالنص الإبداعي لم تؤثر على تجنيس النص الإبداعي ذاته من وجهة نظري، فما زال حمى الفواصل بين الأجناس الشعرية والنثرية قائما عبر تقنية الفيس بوك، وهذه الدراسة نموذج عليها، لكنها تفتح آفاقا للنص وتسهم في تطوير آليات أدائه وتغني مساربه الإبداعية بعدة تمثلات صورية لا تؤثر على جوهر الجنس ذاته، ولكنها تؤثر بالطبع على توسيع فضاءاته، كما تحرر التلقي من نخبويته وتفتح أفق التلقي للنص. وبالنظر لملامح التجربة الشعرية السعودية على الفيس بوك نرى أنها كغيرها قد شعرنت هذا الموقف الاتصالي الاجتماعي في أصله وأخضعته للشعرية وجعلت التواصل الشعري عبره يتخذ عدة اتجاهات؛ على أني أنبه هنا أن هذه الاتجاهات بنيت على الغالب في توجه الموقع بهدف تقريب الرؤية، ويبقى التماهي بين هذه الاتجاهات حاضرا ومتداخلا، ومن أهمها: 1 مواقع شعرية على الفيس بوك: ونضرب نموذجا عليه موقع الشاعر السعودي عبدالرحمن العشماوي، وهو ينشر أبياتا شعرية بشكل مستمر، إضافة لروابط شعرية عن قصائده، والموقع مدعم بصورة شخصية تفاعلية للشاعر، كما وضع بيتين يشكلان علامة سيميائية مهمة على توجهه وتوجه صفحته على الفيس بوك، يقول: والله لو جرف العدو بيوتنا.. ورمت بنا خلف المحيط زوابع لظللت أؤمن أن أمتنا لها.. يوم من الأمجاد أبيض ناصع .. يتنوع حضوره الشعري على الموقع بين أبيات ثنائية مختارة له وبين قصائد طويلة قد تتجاوز صفحة التواصل السريع لتدفع المتلقي لفتح أيقونة ( مشاهدة المزيد) كقوله: أنا لست محتفلا بيوم المولد÷ مسترشدا بالفاطمي الأبعد إن احتفالي بالشريعة منهجا ÷ لله فيه توجهي وتعبدي ومن الشعراء السعوديين الذين يشكل الحضور الشعري علامة مهمة على مواقعهم على الفيس بوك موقع الشاعر حسن الزهراني وماهر الرحيلي وأحمد التيهاني وعلي الثوابي وغيرهم من الشعراء. 2- الأخبار والتغطيات الفيسبوكية للفعاليات الشعرية، ويمثله موقع الشاعر إبراهيم طالع الذي يعتمد الإحالة لمقالاته المنشورة وأخباره الأدبية، وكذا الشاعر إبراهيم حلوش الذي يغنى موقعه، إضافة للشعر بالأخبار الشعرية، ومن نماذج الإعلام الشعري قول الشاعر عبر موقعه: "بمشيئة الله تعالى سأشرف بتمثيل نادي أبها الأدبي في الأمسية الشعريّة التي ستقام يوم الخميس القادم 12 /3 /1434ه ضمن مهرجان "محايل أدفأ" من كان في محايل أو قريبًا منها فليعطّرني بحضوره لتكتمل موسيقى الشعر في قلبي، مودّتي الخضراء للجميع" . 3- اختيارات شعرية ترتبط بأحداث معينة كنموذج البردوني الذي أورده الأديب إبراهيم مضواح، (مقطع من قصيدة "مدرسة الحياة") للشاعر عبدالله البردوني. 4- تفعيل الملتوميديا في المواقع الشعرية، كما عند الشاعر معيض سابي وأحمد قران اللذين يدعمان نصوصهما الشعرية بالصور الفوتوغرافية، وكذا إبراهيم زولي: وقد أحال في صفحته على الفيس بوك إلى مقطع على اليوتيوب: "إبراهيم زولي في فعالية ليالي الشعراء، جيزان، 2013 الشاعر إبراهيم زولي - قصيدة ظلّ" وفي ذات الاتجاه نجد موقع الشاعر محمد العمري الذي يتكئ أيضا على تقنية اليوتيوب في تنويع حضوره الشعري على هذا الموقع ومن القصائد التي أنزلها عليه قصيدته في مدح خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله، إبان زيارته لأبها. 5-التجريب الشعري السريع، كنموذج الشاعر إبراهيم حلوش في التفاعل السريع مع موقف في الشارع كتب فيه بيتا شعريا وأنزله على صفحته على الفيس بوك: هذه حُفْرَةٌ وذاك (مطبُّ) كلّنا في شوارع التّيه ِ نحبو! 6- اللاشعرية في مواقع شاعر: نعني بهذا أن بعض الشعراء قد لا يحتفي بالحضور الشعري في موقعه، ويتحرك بتقنية الفيس في عالمها الاجتماعي والثقافي العام كنموذج موقع الشاعر محمد زايد الألمعي الذي يوجه موقعه باتجاه صفته الاجتماعية والثقافية العامة على مثال ما ورد على موقعه: "ستقيم مجموعة من الأدباء والفنانين اليمنيين فعاليات ثقافيّة في مقبرة، للتعبير عن حال المؤسسات الثقافيّة هناك، ترى كم مقبرة نحتاج هنا؟!". تلك أهم الاتجاهات الشعرية التي تتحرك في مساراتها التجربة الشعرية على تقنية الفيس بوك، ونرى هنا أن المبدعين يسعون إلى شعرنة هذه المواقع الاتصالية وتفعيلها شعرا بما يعطي للتجربة مساحات أوسع ويجتلب لها جمهورا جديدا. ولعلي أختم الحديث بالإشارة إلى وجود عدة مواقع شعرية خاصة بالشعر والشعراء كموقع على الفيس بوك يحمل اسم شعر وشعراء، وهو يحظى بإعجاب تجاوز الألفين ويضم نخبة من الشعراء الذين يكتبون قصائدهم على هذا الموقع وقد كتب في معرّف الصفحة هذه العبارة الشاعرة: "اللغة نوع من الجنون العذب، فعند الحديث بها يرقص الإنسان فوق جميع الأشياء".