قامت جماعة الإخوان المسلمين منذ بداياتها أواخر عشرينيات القرن الماضي على فكرة الحُلم، حُلم الانتشار والتمدد والتمكين، طامحين في الوصول إلى مُبتغاهم النهائي وهو تكوين الخلافة الإسلامية وحكمها. وقد لعبت هذه الجماعة منذ نشأتها على عامل الدين لتعبئة الناس وإقناعهم بمبادئها مُستغلين النزعة الروحانية عند غالبية الشعب المصري، كما اعتمدت على النواحي الاجتماعية وتقديم المساعدات العينية والمادية للمواطنين. نجحت جماعة الإخوان في تحقيق شعبية كبيرة داخل مصر وخارجها، وساعدها في ذلك حالة التعاطف الشعبي الكبيرة نتيجة ما تعرض له أنصارها من انتهاكات وتعذيب وتنكيل في سجون الأنظمة المتعاقبة. بعد قيام ثورة 25 يناير وجدت هذه الجماعة الفرصة سانحة، وحلمها البعيد في حكم البلاد أصبح ممكناً، وكان لها ما أرادت، ولم يمر وقت طويل من حكمها للبلاد حتى تكشفت الحقائق وظهر الوجه الآخر لجماعة الإخوان، وتبين لغالبية الشعب المصري أن هذه الجماعة لم تخرج من السجون لكي تكون حرة ولكن لتصبح سجانة، كما وضح جلياً أنها لا تملك أي مقومات قيادة الدولة، وكان الفشل هو حليفها الدائم. وبعدما تأكد الشعب المصري من عدم وجود أي بارقة أمل في تحسن الأوضاع خرج مرة أخرى يوم 30 يونيو في ثورة شهد لها العالم أجمع للإطاحة بحكم من يُسمون أنفسهم إسلاميين، ونجحوا في تحقيق ذلك بمساعدة القوات المسلحة المصرية. الآن نرى أن حلم الإخوان المسلمين ما زال قائماً، ولكن مع وجود بعض الاختلافات، فالهدف هذه المرة هو محاولة الحفاظ على وجود الجماعة لأن الأمر أصبح بالنسبة لهم مسألة وجودية، كما أن الحلم عند قادة الجماعة مختلف عن حلم أنصارها. فقادة الجماعة يعلمون تماماً أن حلم عودتهم إلى كرسي الحكم أصبح مستحيلاً، كما أن بقاءهم كما كانوا قبل 30 يونيو أمر صعب المنال بعدما اقترفوا العديد من الخطايا والانتهاكات بحق الشعب المصري، وانطلاقاً من هذه الحقيقة يحاولون خلط الأوراق وإشاعة الفوضى في البلاد واستخدام العنف لرفع سقف مطالبهم التفاوضية للوصول إلى المربع صفر على أقل تقدير والمُتمثل في بقاء مكتب إرشادهم والحفاظ على قادة الجماعة بعيداً عن المحاسبة القانونية، وسيُضحون بكل ما هو غال ونفيس من أجل تحقيق هذا الهدف مُستخدمين كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة. أما أنصار الجماعة فيستخدمهم القادة في تحقيق هدفهم الوجودي، وربط وجودهم في اعتصامي رابعة العدوية والنهضة بالجهاد من أجل عودة الشرعية وأن هذا نوع من أنواع الجهاد في سبيل الله. عن أية شرعية يتحدثون... إنها كلمة حق يُراد بها باطل، فالشرعية لا يُمثلها صندوق الانتخابات فقط، لأن الصندوق يُعطي شرعية الوصول للحكم، أما طريقة الحكم والرضا الشعبي هما من يُعطي شرعية البقاء، وبخروج ملايين الشعب المصري الرافض لحكم الإخوان في 30 يونيو أُسقطت شرعية الرئيس المنتخب. إن حلم الإخوان المسلمين في العودة إلى الحكم أو الرجوع إلى ما كانوا عليه قبل 30 يونيو مستحيل، فقد خسرت الجماعة الكثير من أنصارها، كما فقدت مصداقيتها والتعاطف الشعبي، بل وأكثر من ذلك خلقت حالة من العداوة بينها وبين باقي فئات الشعب المصري بسبب تعاليهم وتكبرهم، والضحايا الذين سقطوا ما بين قتيل وجريح سواء من صفوف أتباعها أو من المعارضين لها. إن استماتة الإخوان بهذا الشكل لا يعني سوى أنهم جماعة سلطوية، وأن الحكم بالنسبة لهم غاية وليس وسيلة. أود أن أُشير هنا إلى أن جماعة الإخوان المسلمين أعلنت بعد ثورة 25 يناير وقبيل الانتخابات الرئاسية أنها لن تُرشح أحدا من أعضائها للرئاسة، ثم تراجعت عن هذا الوعد مبررة ذلك بتخوفها من فوز أحد أنصار نظام مبارك. والسؤال البديهي هنا: لماذا تُضحون الآن بأتباعكم من أجل الحكم؟ لا يوجد أنصار لمبارك الآن. والقاعدة الفقهية تقول: إن درء المفاسد مُقدم على جلب المنفعة. من هذه المعطيات أرى أن جماعة الإخوان المسلمين لن ترضى بأية تسوية سياسية لا تشمل عودتهم إلى الحكم أو تضمن الحفاظ على الجماعة وقادتها، وهذا ما سيرفضه الشعب المصري، ولذلك أتمنى من أنصار جماعة الإخوان المسلمين أن يُدركوا أنهم ضحايا يتم استخدامهم لتحقيق مكاسب سياسية لقادة الجماعة ليس إلا، وأن حمايتهم لقادة الإخوان ليست جهاداً في سبيل الله. أتمنى أن يُدركوا ذلك قبل فوات الأوان ويعودوا إلى صفوف الشعب المصري، لأنهم جزء أصيل من هذا النسيج الوطني، وينأوا بأنفسهم عن الحلم الإخواني المستحيل، فالتجربة أثبتت أن جماعة الإخوان لا تتوانى عن التضحية بحلفائها من أجل تحقيق مصالحها.