تشتد خطورة الموقف في مصر كلما مر الوقت وولدت تطورات جديدة. ولو صفت النوايا وساد العقل والحكمة والنظر بأفق واسع لكان الأمر هيناً جلياً لا يحتاج إلى كل هذه العصبية في تجمعات حزب الإخوان المسلمين ولا إلى إطلاق التهديدات، وتهييج الشوارع والتغرير بالمراهقين والشباب وممارسة ضغوط نفسية عليهم بدعوى أن الاعتصام في الميادين جهاد والموت في سبيل إعادة الرئيس السابق شهادة. الأمر واضح ولا يحتاج إلى كل هذا الجدل والتمنعات والفتاوى والحشودات وقطع الطرق وتهديد المارة ومناكفة قوات الأمن، لأن القوات المسلحة المصرية، بقيادة الفريق عبدالفتاح السيسي، لم تغتصب الحكم، وإنما اضطرت لعزل الرئيس السابق بعد أن رفض الرئيس مرسي مرات عديدة نصائح الفريق السيسي بأن يتصرف ويجري حواراً وطنياً خشية أن تتأزم الأمور وتفلت الأوضاع وتصبح البلاد على شفا حرب أهلية قد لا يتمكن الجيش من وأدها قبل أن تثور. وتحققت في 30 يونيو بدايات توقعات الجيش، إذ احتشد ملايين المصريين يطالبون بإقصاء حكم الإخوان احتجاجاً على أسلوبهم ومنهجهم الإقصائي في الحكم. وكان يمكن أن تشتعل حرب أهلية شديدة الوطيس بين المجموعات المصرية لو لم يتدخل الجيش في الوقت المناسب تماماً لعزل مرسي وتهدئة الملايين من الجماهير الغاضبة. وجاءت الحشود الجماهيرية في 30 يونيو و 26 يوليو بمثابة استفتاء شعبي كاسح ضد الإخوان ودعماً لحركة الجيش بتصحيح الأوضاع في البلاد. والملفت في المسألة المصرية هو المبعوثون السياسيون الغربيون، الذين يتقاطرون على مصر هذه الأيام، ويتحدثون بلغة تثير الشك والريبة وتعبر عن سيناريوهات مكنونة ربما تضمر شراً لمصر، فالزائرون الغربيون، بدلاً من حسم الموضوع كما هو محسوم، تقريباً، في الشارع المصري، يشاركون في تأجيج الموقف، لأمر في نفوسهم، إذ يدلون بتصريحات توحي لحزب جماعة الإخوان المسلمين بأن الدول الغربية تستعد لدعم الجماعة وإطلاق سراح الرئيس السابق محمد مرسي وعودته الى الحكم. فتتوقع الجماعة أن النصر قريب فتتصلب في مواقفها ومطالبها وتتمادى في تهديداتها مما يولد تشنجات جديدة وعقبات أمام أي تفاهمات بين المصريين لإنهاء الأوضاع المضطربة والعبور بالبلاد إلى بر السكينة والأمان، بينما الحقيقة هي أن لا أحد يستطيع أن يملي على مصر وجيشها الباسل ما يتوجب فعله من أجل الداخل المصري، وأول من يعلم هذا هم المسئولون الغربيون أنفسهم. وإذا استقبل المسئولون المصريون سياسيين غربيين، فمن باب المجاملة وتطمين الآخرين ومنعهم من التقول ومنع إعلامهم من التلفيق. الآن يتوجب على جماعة الإخوان المسلمين، أن تفكر بحكمة ورشد وأن تنحاز إلى استقرار مصر وسلامها، وأن تسلك الطريق الصحيح والخيار الأسلم الذي يعصم دماء المصريين ويعبر بهم جميعاً، إلى المستقبل سالمين آمنين، وأن تعتبر الجولة الماضية درسا تاريخيا لمعالجة الأخطاء والتدريب على مناهج إدارة الدول والشعوب.