في 26 مارس الماضي، أوقفت الوحدات الخاصة في الشرطة البلجيكية سيارة يقودها حكيم بن لدغم، وهو فرنسي من أصل جزائري، وحاولت اعتقاله، لكن ردة فعله العنيفة جعلت الشرطة تطلق عليه النار وترديه قتيلا. وقد اختارت الشرطة البلجيكية اعتقال حكيم في سيارته بسبب وصول معلومات بأنه يحتفظ بأسلحة في بيته. كما علمت السلطات البلجيكية من الاستخبارات الفرنسية أن حكيم تلقى تدريبه كمظلي في الفيلق الأجنبي الفرنسي. وأظهرت معلومات استخباراتية أخرى أن تحركات حكيم واتصالاته كانت مرتبطة مع الحركة الجهادية العالمية. وتقول مؤسسة "ستراتفور" الأميركية للأبحاث إن السلطات البلجيكية لا تزال، بالتعاون مع السلطات الفرنسية، تقوم بحراسة وثيقة لجميع الأماكن والأشخاص الذين كانوا على قائمة استهداف حكيم. جذور المشكلة هناك روابط تاريخية طويلة وعميقة بين أوروبا والعالم الإسلامي بسبب القرب الجغرافي بين شمال أفريقيا وجنوب أوروبا والاستعمار الأوروبي، ومن ثم محاولة الكثيرين من دول العالم الإسلامي الذهاب إلى أوروبا من أجل التعليم، فهاجرت أعداد كبيرة من المسلمين إلى أوروبا واستقروا فيها؛ لكن هذه العلاقات لم تكن خالية من الاحتكاك. ورغم أن جزءاً كبيراً من المسلمين الذين يعيشون في أوروبا ينحدرون من عائلات تعيش هناك منذ أربعة أو خمسة أجيال، لم يستطع الكثيرون الاندماج مع المجتمع الأوروبي وعاشوا في مناطق يغلب عليها الطابع الإسلامي. وبسبب الأزمة الاقتصادية في أوروبا، ارتفعت البطالة بين مواطنيها المسلمين بشكل خاص. هذه الحقيقة، بالإضافة إلى التمييز ضد المسلمين في التوظيف، جعل الكثير منهم يشعرون بالعزلة والغضب، وتركهم ذلك عرضة للوقوع في فخ التنظيمات "الجهادية". وغالباً ما يستخدم دعاة الجهاد المساجد والصالات الرياضية والجمعيات الإسلامية كأماكن للعثور على مجندين محتملين. ويتم اصطحاب المجندين الجدد بعيداً عن الجالية، حيث يتم تحويلهم إلى متطرفين عبر جلسات ثنائية أو ضمن مجموعات صغيرة، كما يتم تسهيل سفرهم إلى معسكرات التدريب والمناطق الساخنة. ليس هناك إحصاءات دقيقة لأعداد المسلمين الأوروبيين الذين يتدربون أو يقاتلون في الخارج حالياً، لكن هناك بضع مئات على الأقل، وكان هناك آلاف خلال العقود الماضية. وهذه الظروف مجتمعة جعلت من الصعب تخفيف الخطر الجهادي في أوروبا. التوقعات بالنسبة لأوروبا الخط البياني للهجمات والمؤامرات المحبطة في أوروبا تظهر أن سرعة النشاط الجهادي في أوروبا تتزايد. لكن طبيعة التهديد الإرهابي في أوروبا تختلف قليلاً عن تلك التي في الولاياتالمتحدة، بسبب اختلاف الجاليات المسلمة. المسلمون في الولاياتالمتحدة أكثر اندماجاً في المجتمع الأميركي، ولذلك غالباً ما يكون الجهاديون من النوع الانعزالي، بحيث يتحولون إلى التطرف بسبب قراءاتهم الخاصة وعن طريق الإنترنت، لكنهم سرعان ما يقعون في أيدي السلطات عندما يحاولون البحث عن مساعدات حولهم، فيلتقطهم عملاء مكتب التحقيقات الفيدرالية بسهولة نسبياً بسبب قلة خبرتهم. ونظراً للوجود المكثف للمسلمين المحرومين في أوروبا، فليس من الصعب على المسلمين المتطرفين هناك العثور على مساعدين لا يكونون من عملاء الاستخبارات. صورة حكيم بن لدغم التي بدأت تتضح تبيِّن أنه كان على تواصل مع عدد من الأشخاص لهم ارتباطات مع شبكات جهادية في فرنساوبلجيكا، بالإضافة إلى جهاديين في الخارج. وبحسب التقارير الإخبارية، فقد انتبهت السلطات الفرنسية إليه بعد أن تم رفض طلبه الدخول إلى غزة عن طريق مصر، وكان يحمل معه سترات واقية وأقنعة غاز. وربما أدت الضغوط التي تعرَّض لها بعد عودته من السلطات الفرنسية إلى هجرته إلى بلجيكا. لكن السلطات الفرنسية أبلغت بدورها نظيرتها البلجيكية وتم وضعه تحت الرقابة الوثيقة بسبب تاريخه. لكنه مع ذلك استطاع المشاركة في بعض النشاطات غير القانونية في بلجيكا. يقال إنه اشترك في السطو المسلح على مطعم خارج بروكسل بتاريخ 21 مارس الماضي، حيث حاول سرقة أسلحة من مالك المطعم. وقد تم اعتقال شخصين كانا مشتركين مع حكيم في السطو المسلح، وكلاهما اعترفا بدور حكيم في العملية. وقد استطاع حكيم تسليح نفسه، وكان قادراً على استخدام الأسلحة التي حصل عليها دون أن يحتاج إلى اللجوء إلى مخبرين للشرطة. يُشكل المتطرفون المسلحون الذين لديهم علاقات دولية، مثل حكيم، خطراً أهم من ذلك الذي يشكله بعض الهواة في أميركا، وهذا يعقِّد مهمة السلطات الأوروبية في مكافحة الإرهاب.