الطيران الشراعي قصة عشق لا تنتهي لعشاقها، فما إن تختم في سودة عسير، حتى تجد جموعهم في جبل هادا، وما إن يرحلوا منها حتى يحطوا رحالهم في جزر "فرسان".. ها هم اليوم يحلقون في "منشبة" بمحافظ الدرب بجازان. "الوطن" رافقتهم هناك، في تلك الرياض التي تزدان خضرة مع هطول الأمطار. وبعد أن اكتشف أهالي عسير وسياحها طبيعة المنطقة الساحرة على الأرض، ها هم يتسابقون الآن لاكتشاف أسرار أخرى للجمال الطبيعي للمناطق الأخرى.. لكن هذه المرة من الجو، فلامسوا سحابها وطاروا على ارتفاعات منخفضة على سواحلها، ومروا من فوق أوديتها الجارية بمظلات شراعية. ويلفت المدير العام لمدرسة عسير للطيران الشراعي، الكابتن عبدالباري آل عبدالله، إلى أن في المنطقة الجنوبية فرقاً عدة، من جازان، وأبها، وخميس مشيط، ورجال ألمع، ونجران، ومحايل عسير، وسراة عبيدة.. يطير هواتها بشكل فردي، وآن الأوان لتنضوي تحت كيان واحد، مشيراً إلى أن مواقع التواصل الاجتماعي، وبرنامج الواتساب، تشكل قاعدة للتواصل فيما بين الهواة والمحترفين. وحول لقائهم في"منشبة" جازان، قال آل عبدالله: نسقنا فيما بيننا أن يتم التجمع هنا، حيث حضر 35 طياراً. وكما ترون فهناك برنامج معد سلفاً يتمثل في الطيران وسط هذه الرياض، ومن بعد صلاة العشاء يتم تداول البرنامج الذي من أهم عناصره تكوين كيان واحد يضم 150 شخصاً، 70% منهم يحملون رخصاً دولية في الطيران بمحرك أو بدونه. مدرسة الحريضة ويشير الكابتن عبد الباري إلى أن أمانة عسير وبلدية الحريضة أنجزتا مدرجاً بطول 500 متر، لكنهم يطمعون أن يكون الدعم أكبر، وأن يواكب تنفيذ المدرج إيجاد حظائر للطائرات، فالمدرج وحده لا يكفي، إذ إن طائرة "المايكرولايت" تبدأ تكلفتها من 270 ألف ريال، وقد تصل تكلفة بعضها إلى مليون ريال، وطائرات "جايرو كابتر" تبدأ من 150 ألفاً، وقد تصل إلى نصف مليون ريال، وإن لم تكن هناك حظائر مصممة لحمايتها من الرطوبة والأتربة، فلن يجرؤ أحد على المغامرة بترك طائرته على المدرج. وكذلك فإن الأمل يحدوهم بأن تكون هناك مدرجات للمشاهدين، ومبنى للإدارة، فمتى ما تم ذلك وبدعم حكومي فإن هذه الرياضة التي تحظى بشعبية كبيرة ستكون رافداً سياحياً، ليس لمنطقة عسير فحسب بل لعموم المنطقة الجنوبية. ونظراً إلى النجاح الكبير الذي تشهده تلك الرياضات، أطلق رجل الأعمال مسفر بن جبران السريعي مبادرة لاحتضانها، وتمثل ذلك في دعم مادي غير محدود، واكبه تعاون مع أمانة عسير ومجلس التنمية السياحية. وأشار السريعي إلى أنه وبتوجيهات من أمير المنطقة وبدعم من الأمانة وهيئة السياحة والآثار، يتم الآن إنشاء ناد للرياضات الجوية في منطقة الحريضة على ساحل البحر الأحمر، وسيكون له أثر كبير في تطوير هذا النوع من الرياضات في المنطقة. وبيّن السريعي أن الطيران الرياضي في منطقة عسير شهد أول ظهور له قبل عامين تحت مظلة مهرجان أبها 1431، وأن ما دفعه إلى الاهتمام بهذه الرياضة هو حبه لها ولمنطقته التي يرغب في أن يزيدها روعة وكمالا بهذه الرياضة التي تستهوي الكثيرين. ثقافة الطيران ويشير الكابتن عبدالباري آل عبدالله إلى رغبته في تأصيل ثقافة الطيران الخفيف، مطالباً بدعم أكبر وتخصيص مواقع لاحتضان تلك الطاقات الشابة، وقال: "تمكنت من الطيران للمرة الأولى عام 1999، وأول من عُني بالطيران بالمظلات في سودة عسير هو الأمير بندر بن خالد الفيصل. ونادي عسير للطيران تم تأسيسه عام 2005 ، وهو مرخص له بالتدريب على 3 أنواع من الرياضات الجوية". وعن أنواع الطائرات الخفيفة أو الرياضية، يقول عبدالباري: إن طائرة "برجلايد" هي مظلة شراعية ذات مقعد واحد، وتطير من المرتفعات والتلال، وهي مصنوعة من قماش خاص ممزوج بأنواع النايلون، تشده على مقعد الراكب خيوط من البلوسترين رفيعة ومتينة، ومساحة مظلتها بين 25 و40 متراً مربعا، ويطول الجناح كلما كان وزن القائد بين 55 و120 كجم، وقيمتها لا تتجاوز 14 ألف ريال. "البراموتر" وهي مظلة شراعية فيها مقعد يقبع خلفه محرك صغير، يعلقها الهاوي على ظهره ويدير الموتور بنفسه أو بمساعدة شخص آخر، وجهاز التحكم يبقى في يده، ومن ثم يعتمد على الركض مسافة كبيرة في أجواء مثل عسير، إلا أنها تقل عندما يكون الطيران على الساحل، حيث الضغط الخفيف وكثرة الأكسجين. "ترايك" طائرة خفيفة لها هيكل معدني مثبت على ثلاث عجلات وخلفها موتور، وتعتمد على حركة المروحة المثبتة في الموتور، تساعدها في الإقلاع والهبوط المظلة. "مايكرو لايت" طائرة شراعية ذات مقعدين بقوة تتفاوت بين 50 حصانا و100، ولها جناح ثابت، وتحتاج إلى مدرج أطول من 30 مترا في أماكن خاصة، أما في أبها فلن تستطيع الطيران إلا بمدرج يتجاوز 70 مترا، إذ إن الارتفاع عن سطح البحر يتجاوز 2200 متر، وذلك مجهد للطائرة، ولعسير تجربة مماثلة العام الماضي في الحبلة. وأضاف العبد الله أن رياضة الطيران الشراعي (البراقلايد) من أحدث الرياضات على مستوى العالم، وأنها انتشرت بشكل سريع على مستوى المملكة، وأخذت مكانها بين الشباب المتحمس المحب للمغامرة، وأصبح لها أندية ومدارس محلية تضاهي نظيراتها العالمية. وأشار إلى أنهم احتفلوا العام الماضي بتتويج بطلين من أبناء الوطن، ومن طلاب تلك المدارس، فكان من نصيبهما المركزان الأول والثاني في أول بطولة دولية تقام في السعودية بحضور 35 متسابقا من 12 دولة، إضافة إلى مشاركاتهم الدولية في كل من جنوب أفريقيا والمغرب وإسبانيا وألمانيا وإندونيسيا وماليزيا ولبنان وسورية وقطر ومصر واليمن وتايلاند.. وكل ذلك على حسابهم الخاص. وشارك الفريق في مونديال العالم المقام في باس هام - بجمهورية فرنسا والذي يقام كل عامين، بحضور 2000 طيار من 70 دولة، مسجلين بذلك أول مشاركة سعودية. رسالة سلام وأبان أنهم يوجهون من خلال هذه الرياضة، رسالة سلام وتعريف بما تتميز به المملكة من تنوع ثقافي وسياحي ورياضي لا يقل عن حضارة الغرب، بل إن في المملكة ما يميزهم، وهو حرصهم على الثوابت الدينية والأخلاقية وكرم الضيافة واحترام الإنسان والأديان السماوية. وحول الشروط البدنية والصحية اللازمة لممارسة البراقلايد قال العبدالله "يشترط على ممارس هذه الرياضة أن يكون بصحة جيدة وخاليا من الأمراض المزمنة التي تفقده التركيز أو التحكم. ولكي يصبح الشخص طياراً يجب عليه الالتحاق بمدرسة معتمدة، والتدرب على يد مدرب مؤهل، ليتسنى له أخذ كامل الأسس المتعلقة بالطيران والسلامة، ومن ثم الحصول على الرخصة الدولية التي تمكنه من استخدام مواقع الطيران المعتمدة، ليستمتع بعد ذلك بمشاهدة الأرض من السماء. وليس هناك أروع من أن تشاهد الأشياء من زوايا لا يستطيع غيرك أن يراها مثلك". وأشار إلى أن هناك العديد من الدورات المتقدمة في البراقلايد، فهناك دورة الطيار الرياضي المحترف، " الترادفي"، وأخيراً "المدرب"، ولكل مرحلة شروط ومتطلبات يتم استيفاؤها قبل الشروع في طلب تلك الدورة، إضافة إلى دورة في السلامة تعرف باسم "SIV" ، ودائما ما تقام فوق المسطحات المائية. رياضة للجميع ويؤكد الكابتن العبد الله أنه بالنسبة لأسعار المعدات للطيران الحر - البراقلايد - فتتراوح ما بين 12 ألف ريال و16 ألفاً، وهي معدات تشمل مظلة أساسية وأخرى احتياطية وكرسيا وخوذة وجهاز اتصال لاسلكي، ويمكن الطيران من السهول المنبسطة حيث لا توجد مرتفعات، وذلك من خلال إضافة المحرك المحمول على الظهر، ويعرف ب"البرموتور" ، ويتفرع منه "الترايك"، وهي عربة طيران ذات عجلات ثلاثية أو رباعية. وأشار العبد الله إلى أن الجميل في هذه الرياضة أنه لا يوجد سن محددة لمن يرغب في خوض غمار التجربة والركوب مع المدرب، أما إذا رغب أحدهم في الطيران بمفرده فيشترط أن يكون عُمر الممارس من 14 سنة فما فوق، دون حد أعلى للسن، ويعد أكبر من عاش التجربة ويعيشها هو الكابتن علي راشد الأسمري (60 سنة)، وهو طيار متقدم، وأصغرهم في الطيران الانفرادي ويحمل رخصة الطيار فيصل القرقاح، أما بالنسبة لأصغر المرافقين للمدربين فهما الطفل هيثم عبدالباري آل عبدالله، والطفل سليمان عبدالله القرني، (سنتان ونصف). المغامرة والخطر ووصف آل عبد الله رياضة الطيران الشراعي بأنها أحد أنواع رياضات المغامرة، وأن شأنها شأن تلك الرياضات فيها إصابات ووفيات، لكنه استدرك بقوله "إنها أخف هذه الرياضات حوادث، حيث لم يسجل في عسير سوى حالة وفاة واحدة قبل خمس سنوات لمغامر ساهمت قلة خبرته والرياح التي صاحبت هبوطه في منطقة صخرية في وفاته، وإن هناك بعض الإصابات".. دون أن يعطي إحصائية لها.