يتسم مقاتلو المعارضة في دمشق بالانضباط والمهارة والشجاعة إذ يدافعون عن عدد من الضواحي على مشارف العاصمة السورية ويشنون هجمات جماعية معقدة ويديرون الشؤون اللوجستية ويطببون جراحهم ويموتون. لكن نيران قذائف المورتر والدبابات والقناصة التي يطلقها جنود الرئيس السوري بشار الأسد على الجانب الآخر تشهد أيضا على أنهم مدربون جيدا ويتحلون بالشجاعة ومزودون بأسلحة أفضل كثيرا. لذا.. فإنه بالرغم من عجز جنود النظام عن إخراج وحدات الجيش السوري الحر من الأحياء المدمرة التي هجرها السكان إلى الشرق مباشرة من وسط المدينة، وهم في الواقع لم يبذلوا جهدا كبيرا لتحقيق هذا، فإن احتمال أن يتمكن مقاتلو المعارضة من السيطرة على معقل الأسد يبدو ضئيلا. والنتيجة.. جمود دموي. هناك هجمات من الجانبين.. البعض يحاول الاستحواذ على مجرد منزل أو اثنين والبعض يسعى لغنائم أكبر لكنه يضطر للتقهقر وسط نيران القناصة أو قذائف المورتر أو زخات الأسلحة الآلية. وعلى غرار ما حدث في بيروت أو سراييفو أو ستالينجراد.. إنها حرب قناصة. يتعقب رجال هدفهم عبر المنظار المقرب بحثا عن جزء بشري أو مقلة عين تطل من خلال شق، ويستخدمون الشراك والخديعة ليجروا الفريسة إلى حتفها. وتفصل مسافات صغيرة طرفي الصراع عن أحدهما الآخر إلى حد أنه في إحدى المرات صادفت دورية من مقاتلي المعارضة وحدة عسكرية داخل مبنى فدوت أصوات القنابل اليدوية واخترقت الشظايا الجدران، وخلال ثوان تعالت آهات الجرحى وسط أصوات الأعيرة النارية. آلاف الرجال الذين جاء كثير منهم من قرى مجاورة وترك بعضهم الخدمة في جيش الأسد يتحدون البرد القارس بالاستعانة بأغطية الرأس الصوفية والأوشحة ويرتدون طبقات متعددة من الملابس القطنية والسترات الجلدية أثناء دفاعهم عن شبكة من الحواجز والنقاط الحصينة. تنقل إليهم سيارات الذخائر والمؤن ويقودهم قادة يستخدمون أجهزة اللاسلكي. وفي حدث يتكرر على الجبهة شن أكثر من 20 من مقاتلي لواء تحرير الشام هجوما في عين ترما في 30 يناير بهدف السيطرة على نقطة تفتيش تابعة للجيش أو على الأقل إلحاق أضرار بها. أما نقطة الإسعافات الأولية التي أقيمت في ساحة المعركة فعجزت عن التصرف أمام طلقة واحدة في البطن. توفي الرجل خلال دقائق وانسابت دماؤه على الأرض. لكن لم يكن هناك وقت للحداد فقد تنبه الجيش لوجود مقاتلي المعارضة. وفيما كان المقاتلون يعيدون تنظيم أنفسهم أصابت قذيفة دبابة المبنى المهجور فتساقطت الخرسانة والأتربة وركض الناجون للاحتماء بشيء وبدؤوا يستعدون ليوم آخر من القتال. وما زالت المعركة من أجل السيطرة على دمشق مستمرة.