شكلت الدكاكين القديمة في سوق السوريين بمدينة عرعر شمال المملكة، فارقا كبيرا بين الحداثة والقدم، مشكلة بصمة تراثية لا يمكن تجاهلها، بل إنها احتفظت بروح الماضي الذي لا يزال يستهوي الكثير من رواد السوق في تلك المنطقة وما جاورها. سوق "السوريين" من أقدم الأسواق التجارية بمنطقة الحدود الشمالية، ويضم عددا من المحال التجارية القديمة التي يبيع فيها الشاميون بعض السلع الشامية، ومهما وضعت على وجهها الجميل من مساحيق الحداثة، لا يزال وشمها العربي على وجنتيها بعدما نقشته السنون متمثلا في أسواقها الشعبية التي زادت في ملامح الحسن، وذلك بحسب الثمانيني عبيد الدهمشي الذي تحدث ل"الوطن" عن رؤيته لهذا السوق. وقال الدهمشي إن الدكاكين القديمة عن يمين الوريد الأساس لعرعر وعن يساره ما زالت بالاصطفاف والروح نفسيهما، مكونة بذلك سوق السوريين، الذي جمع بين سحر العراقة، وبهجة الحداثة. وعن مرتادي تلك المحلات في سوق السوريين قال عبدالله الصقري أحد سكان مدينة عرعر إن السوق يرتاده في الغالب عدد من أصحاب الدخل المحدود، ويجدون فيه ضالتهم من حيث البضائع ذات الجودة الجيدة والسعر المنخفض، خلافا للأسواق الحديثة التي غالبا ما تحتوي على ماركات عالمية غالية الثمن، مضيفا أن الباحثين عن التراث يفضلون ارتياد سوق السوريين بحثا عن رائحة الماضي التي لا يمكن الشعور بها في الأسواق التجارية الحديثة. ويؤكد البائع أبو سامر أن هذا السوق كان عبارة عن مكان تجمع لعدد كبير من الشاحنات القادمة من بلاد الشام التي كانت تحمل ببضائع صنعت في سورية ويجري بيع البضاعة في هذا السوق، حتى عرف هذا السوق بسوق السوريين، مضيفا أن السوق لا يزال يسمى ويعرف باسم سوق السوريين رغم ماطرأت عليه من تغيرات. من جهتها تقول أم سعدون أن بضائع السوق تتراوح ما بين الرخيصة والمتوسطة، وتنال رضا الكبيرات في السن، أما الفتيات فلا يحبذن التجول في الأسواق القديمة، مضيفةً أنه رغم عدم وجود الماركات العالمية التي تنشدها الفتيات إلا أنه من الممكن الحصول على بضائع جيدة وبأسعار معقولة. أما السبعينية أم حمود التي كانت تتحدث ل"الوطن" عن مدى حميميتها للسوق حتى بعد أن اعتراه بعض التغيير، فقالت إن أماكن السوق ما زالت محفورة في الذاكرة، ووجوه من سكنوه باقية في البال والوجدان، مضيفة: "ما زلت أشتم رائحة البهارات التي أبتاعها من بعض محلاته". وقالت وهي تشير بيدها إلى أحد المحلات: "هناك كنا نبتاع الملابس القطنية الفاخرة، والملابس المطرزة التي تعرض على واجهة المحلات خاصة الملابس الشامية القديمة "المدرقة" و"الهبرية" التي نعصب بها رؤوسنا ذات الألوان الزاهية. وعن المحلات في الوقت الحالي ولمسة التطور تقول أم حمود: "أصبحنا نشاهد التمازج بين كل ما هو قديم وما هو حديث، فواجهات المحلات مزينة ببضائعها الجميلة المتنوعة من التحف الخزفية إلى المنسوجات القديمة والتطريز والمسابح"، مضيفة أنه رغم التطور فلا يزال رواده يبتاعون بعض الأدوات القديمة من تلك المحلات، منها الأباريق الرومانية والمنتجات القديمة والأدوات المنزلية القديمة والتحف الأثرية القديمة.