في عام 1991 كادت الجزائر أن تضع عجلات قاطراتها على القضبان الصحيحة التي ستحملها إلى الاستقرار والتنمية الحقيقية والعدالة الاجتماعية، والتي حتما ستجعل من الجزائر دولة يحتذى بها وتؤخذ تجربتها كملهمة لدول المغرب العربي، ولكن الجيش بجنرالاته أجهض هذه التجربة الديمقراطية بالقوة؛ لأن هناك قوى وأطراف لا تستطيع بأي حال من الأحوال قبول حكومة مدنية منتخبة من الشعب الجزائري نفسه وهو الشعب العربي المسلم، والذي عجز الاستعمار الفرنسي أن يغير في عروبته وإسلاميته رغم سنينه الطويلة وجهوده المضنية في طبع الثقافة الجزائرية بالطابع الفرنسي، ومحاولة توسيع الهوة بين الثقافة الجزائرية والثقافة العربية، وهو ما نرى اليوم بعضا من آثاره في البرامج العربية؛ حيث يلحظ الجميع أن حديث بعض من الجزائريين باللغة الفرنسية أقوى منه عندما يكون باللغة العربية. حديثي هنا ليس عن الاستعمار وآثاره فكل عاقل حصيف يعرف ما فعله ويفعله حتى الآن في جميع الدول التي كان له نصيب منها. ما أريد قوله هنا أن الأساليب الآن قد تغيرت فثورات الربيع العربي قد فاجأت الغرب وفجعته بمن كانوا أيادي لهم في بلادنا، لأنهم يعلمون علم اليقين أن الشعوب العربية والإسلامية لو تركت في حالها دون محاولة لتعويق تنميتها وإجهاض كل ما من شأنه إعادة نهضتها فإنها حتما ستتحول إلى دول متقدمة تقنيا وتعليميا واقتصاديا مما يخولها أن تكون من دول العالم الأول، ومن ثم لن يتسنى لأحد أن يملي علينا ما نأتي وما نذر؟! في القرن الماضي استخدمت القوة المفرطة لكبح جماح هذه الطفرة التي كادت أن تبدأ في الجزائر، أما الآن فلا يمكن ولا يستسيغ أن يقوم أحد بإطفاء هذه الجذوة بالقوة؛ لأن العواقب ستكون حتما وخيمة، فتم اللجوء إلى خطة بديلة وهي استخدام القوة الناعمة والتي جند لها ومع بالغ الأسف الطابور الخامس من سياسيين وإعلاميين، بعضهم يعلم ما يفعل وبعضهم لا يفهم ما يفعل، فهم مجرد إمعات وأبواق لمن يدفعهم ويدفع لهم. وهذا ما يجعل الكثير من العقلاء يشعر بخيبة الأمل لأن أبناء الأمة العربية أصبحوا معاول تهدم بلدانها وتعوق تقدمها واستقرارها خدمة لأجندات خارجية همها الأول والأخير جعل الأمة تدور في رحى من الصراعات السياسية والحزبية، ومحاولة بث روح الحقد والكراهية تجاه بعضنا البعض مما يجعل جهودنا تتشتت وخططنا تفشل واقتصادياتنا تنهار، كما هو حادث الآن في كثير من دول الربيع العربي. ولكنني ورغم كل ما يحاك لأمتنا العربية لمحاولة عرقلتها عن النهوض من جديد متفائل بأننا في الطريق الصحيح؛ فالمزاج العربي قد تغير تغيرا جذريا؛ فهو الآن يرى وميضا في نهاية النفق ولا أظنه سيتراجع عن الوصول إليه مهما كانت التضحيات.