تغيَّرت القدس كثيراً عمَّا كانت عليه في 2000، عندما بدأ الإسرائيليون والفلسطينيون التفاوض حول مصيرها، وهذا يُعقّد مهمة تقسيم القدس وفقاً للصيغة التي طرحها الرئيس الأميركي الأسبق بيل كلينتون في ديسمبر 2000، على أساس أن ما هو يهودي سيكون إسرائيلياً، وما هو عربي سيكون فلسطينياً، وسيتم وضع نظام خاص لإدارة الأماكن التي تُعتبر مقدّسة بالنسبة للأديان السماوية الثلاثة. لقد بات شائعاً القول في بعض الأوساط بأن التقسيم لم يعُد قابلاً للتنفيذ بالنظر إلى تسارع بناء المستوطنات والشكل الذي اتخذته هذه المستوطنات. يقول تقرير نشرته "مجموعة الأزمات الدولية" مؤخراً إن ثمة أمرين غير قابلين للعكس. الأول هو أن توسُّع المستوطنات والأحياء اليهودية في القدسالشرقية يرفع الثمن السياسي للتقسيم، وبالتالي يقلل من احتمال حدوثه. ومن هنا يترتب على المجتمع الدولي، وخصوصاً الولاياتالمتحدة، الضغط على إسرائيل كي تحد من إجراء مزيد من التغييرات في المشهد العمراني في القدس. ويتمثل الواقع الثاني في أن التغييرات التي طرأت في إسرائيل والمنطقة صعّدت من المطالب الدينية والتاريخية في المدينة. حالما تُستأنف المفاوضات، سيكون على كل طرف الإقرار بروابط الطرف الآخر بالقدس وبمواقعها الدينية. ومنذ وضع كلينتون تلك المعايير، ارتفع عدد السكان اليهود في القدسالشرقية بشكل كبير في ثلاثة أحزمة حزام خارجي يحدد القدس الكبرى، وحزام متوسط يحيط بمركز المدينة، وحزام داخلي يمُر بمركز المدينة تشكّل بنية المستوطنات الإسرائيلية داخل المدينة وحولها. وثمة عدد من النقاط الملتهبة ذات الأهمية الخاصة فيما يتعلق بالأرض. هناك شريطان أفقيان يتمتعان بأهمية خاصة واحد في وسط القدس وواحد جنوبالقدس ويمثلان استمرارية البناء من الغرب إلى الشرق عبر كامل أراضي البلدية وإلى ما وراءها. تُعتبر (ه )1 وعلى نطاق واسع مؤذية على نحو خاص لأنها ستفصل القدسالشرقية عن الدولة الفلسطينية وتقطع توسُّعها العمراني. في جنوبالقدس، تهدد الوحدات الاستيطانية الإسرائيلية الجديدة بتطويق بعض الأحياء العربية بشكل كامل. ومن بين جميع أعمال البناء الجارية في المدينة، فإن النقطة التي يحتمل أن تسبب انفجاراً أكثر من غيرها تقع وسط المدينة، حيث تسارعت عمليات البناء الاستيطاني اليهودية داخل الأحياء الفلسطينية المسكونة بكثافة. إن وجود أجندة دبلوماسية تمنع التطورات المؤذية أمر مهم لكنه ليس كافياً. كما أنه ليس من المحتمل أن يكون مستداماً؛ فبمرور الوقت، سيتلاشى هذا الموقف وينتهي. كما أن ثمة حاجة لرؤية أكثر إيجابية؛ فلم يعُد من المبكِّر نفض الغبار عن المقترحات القديمة المتعلقة بالمدينة، وتحديثها في ضوء المقترحات التي لم تنجح قبل عقد من الزمان والتغيُّرات التي حصلت منذ ذلك الحين. كما أن الوقت لم يتأخر على تقديم دعم أكثر قوة للوجود العربي وخصوصاً بناء المساكن في الجزء الشرقي من المدينة، بدلاً من الاكتفاء بمعارضة بناء المستوطنات اليهودية هناك. على المجتمع الدولي أن يدفع باتجاه زيادة عدد المباني السكنية العربية، سواء على شكل بناء أحياء جديدة لم يتم منح ترخيص لبناء حي واحد خلال الأعوام ال45 الماضية وبناء مساكن جديدة في الأحياء القائمة. وهذه المسألة لا تتعلق فقط بالحق بالسكن، بل تُعتبر مسألة سياسية جوهرية لتحسين قدرة الفلسطينيين على البقاء في المدينة وحماية القدس العربية. ويقدم تقرير "مجموعة الأزمات الدولية" عدداً من التوصيات من أجل حماية مسألة قابلية حل الدولتين للحياة من حيث الأرض، من بينها: إلى الحكومة الإسرائيلية: 1. تجميد الموافقات وأي أعمال بناء وبنية تحتية جارية في المنطقة (ه 1) وكذلك بين المستوطنات جنوبالقدس. 2. التوقف عن بناء مستوطنات جديدة وعن توسيع المستوطنات القائمة. 3. تغيير ترتيب إقامة الشعائر اليهودية في الحرم الشريف بالتوافق مع منظمة التحرير الفلسطينية والأوقاف الأردنية. 4. تحسين الأحوال المعيشية للفلسطينيين المقدسيين. 5. وقف التطوير الأحادي للحدائق الوطنية حول المدينة القديمة. 6. بناء الجدار العازل فقط على الخط الأخضر. إلى بلدية القدس: 7. تنظيم وتخطيط وبناء أحياء عربية بالتعاون مع السكان العرب في القدسالشرقية والمجتمع المدني. 8. الاستمرار بإتاحة الخدمات البلدية لجميع سكان القدس. 9. تلبية الاحتياجات السكانية في القدسالغربية بدلاً من القدسالشرقية. 10. السماح لهيئة بلدية تابعة للسلطة الفلسطينية بالعمل بالتنسيق مع الإدارة المدنية الإسرائيلية في أي منطقة من القدس وراء الجدار العازل لا تقدم فيها البلدية الإسرائيلية الخدمات. إلى السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير الفلسطينية: 11. الامتناع عن إنكار التاريخ اليهودي في المدينة. 12. الإعلان أن جميع المواقع المقدسة بالنسبة لليهود في دولة فلسطينية مستقلة ستكون مفتوحة لليهود. 13. إعادة تقييم سياسة المقاطعة والنظر في أشكال مختلفة لإمكانية المشاركة في إدارة القدسالشرقية. إلى أعضاء الرباعية (الاتحاد الأوروبي، وروسيا، والولاياتالمتحدة والأمين العام للأمم المتحدة): 14. الإصرار على أن تمتنع إسرائيل عن بناء مستوطنات جديدة أو توسيع الأحياء اليهودية في القدسالشرقية. 15. الإعلان أن أي تحركات أحادية في القدسالشرقية لن يُسمح له بالتأثير على نتيجة المفاوضات. 16. عدم تشجيع توسيع البنية التحتية العمرانية وتلك الضرورية للنقل إلى المستوطنات اليهودية. 17. حث إسرائيل على إيجاد حلول إسكانية في القدسالغربية بدلاً من القدسالشرقية.