يبدو أن تعقيدات وبطء وقرصنة بعض دور النشر في معظم الدول العربية فتحت بابا جديدا لنشر الأعمال الأدبية عبر وسائل التواصل والتقنية الحديثة مثل " الآيباد" و" الآيفون" وبيعها عبر الفضاء الإلكتروني. في أجواء هذه الرؤية ظهرت حديثا " المخوزق "، رواية الكاتب السعودي أشرف فقيه، ناحية منحى الرواية التاريخية النادرة إلى حد كبير في الإنتاج المحلي، على الرغم من أن فقيه عرف سابقا بقصصه في مجال الخيال العلمي، إلا أنه قرر هذه المرة خوض تجربة الرواية التاريخية، متخذا وسيلة نشر لم تطرق كثيرا على المستوى المحلي. يقول أشرف " تمثل الرواية عودة للكتابة الإبداعية بعد توقف استمر لسنوات طويلة عن كتابة قصص الخيال العلمي التي عرفت بها، وهذه الرواية تاريخية في الأساس، ويمكن تصنيفها كذلك كرواية رعب". وأضاف في حديثه ل"الوطن": هذه هي المرة الأولى التي أتجه فيها للنشر والتسويق الإلكترونيين عبر دار نشر وطنية ومن خلال برنامج سعودي خاص، وذلك قبل ظهور أي نسخة ورقية للرواية. ما الذي يدفع أشرف لاتخاذ هذه الخطوة؟ سؤال ربما يكون الأول، إن التقيت أشرف الذي يبرر خطوته بمحاولة( تجاوز تعقيد وبطء النشر الورقي، والحفاظ على الحقوق المادية، فالروايات الورقية تتم قرصنتها وتنشر مجاناً على الإنترنت مما يضيع حق المؤلف والناشر، أما الصيغة الإلكترونية التي تعتمدها سيبويه فعصية على الاختراق حتى الآن ولا سبيل لقراءة مادتها إلا عبر جهاز "آيفون" أو " آيباد" الذي يحمل تطبيقا سعوديا اسمه سيبويه). وعن جدوى التجربة تجاريا يؤكد أشرف (بفضل استراتيجية الترويج على مواقع التواصل الاجتماعي فقد حصلنا على تفاعل طيب بين شريحة الشباب). ويراهن أشرف على أن الرواية مختلفة عن السائد كونها تتكئ على الحدث التاريخي لتوغل بعده في عوالم الرعب والإثارة قليلة التناول في الأدب العربي عموماً.. يقول( الرواية تستند على حقائق تاريخية في قلب مادتها، فشخصية "دراكولا" التي بتنا نعرفها كلنا من الروايات الأجنبية وأفلام السينما الأميركية هي في الأصل شخصية ذات أبعاد شرقية، فذلك الأمير المخبول "فلاد دراكولا" قد حارب العثمانيين بضراوة مرعبة في القرن الخامس عشر الميلادي واستخدم ضدهم وسائل تنكيل مرعبة لدرجة أن ذكراه ظلت حية لمدة 400 سنة وعرف بلقب المخوزق في أوروبا والعالم العثماني قبل أن يختطف الكاتب الأيرلندي الشهير "برام ستوكر" هذه القصة ويجيرها لصالح الأدب الغربي ولصالح أساطير مصاصي الدماء، فما قمت به أنا هو البحث في الجذور العثمانية لهذه الرواية.. نوع من إعادة اكتشاف أسطورة دراكولا وتقديم قصته على نحو مختلف موجه للقراء العرب على نحو خاص، فهم سيشعرون بأن هناك رابطا تاريخيا بينهم وبين تلك الشخصية الهوليوودية كما يحسبونها، فقصة دراكولا كما روّجتها السينما الأميركية قد كرست تلك الأسطورة في نسيج التراث الغربي وربطتها بخرافات مصاصي الدماء وفقاً للرواية التي كتبها "برام ستوكر" قبل أكثر من قرن، لكن ببحث سريع سنكتشف أن هذه القصة شرقية بكل تفاصيلها، فقد جرت أحداثها في الفضاء العثماني. ودراكولا "المخوزق" معروف في أوروبا الشرقية حتى اليوم كبطل قاوم المد الإسلامي بضراوة. إنها إذاً قصة تنتمي لتراثنا نحن، مسلمين أو شرقيين أو عثمانيين بالتبعية التاريخية. إنها تمسنا – بنسختها الأصلية بأكثر مما تمس القارئ البريطاني أو الأميركي والحال كذلك ). وعن ردود الفعل النقدية تجاه الرواية يقول فقيه (نُشرت الرواية في منتصف سبتمبر. ما يزال الوقت مبكراً كي يتلقفها النقاد. وبما أنها غير متوفرة بنسخة ورقية حالياً، فلا أتوقع أن تحظى بتغطية الناقد التقليدي قريباً. ناهيك عن ثيمتها المغايرة للسائد. على كلٍ أحسبُ أن القارئ الجيد هو ناقد جيد كذلك. وكثير من القراء نشروا في الفضاء الإلكتروني تعليقات دقيقة جداً بخصوص نصّ الرواية وبنيتها. إذا أخذنا في الاعتبار التقييمات العالية التي نالتها "المخوزِق" من قبل أولئك القراء حتى هذه اللحظة، فأقول إنها قد أحدثت صدى طيباً جداً، هناك عموماً شغف بين أوساط القراء، في السعودية بالذات، بالقصة المختلفة، والمخوزِق تخاطب هذا الشغف على أكثر من صعيد. إنها موجهة للقارئ الباحث عن الإيقاع السريع وأجواء الرعب، وموجهة أيضاً للقارئ الباحث عن القيمة المعرفية عبر ربط وقائع تاريخية مدهشة). وعن مدى تطابق السياق القصصي للرواية مع واقع الأحداث التاريخية يعلق فقيه قائلا" السياق التاريخي مطابق للواقع ويمثل العمود الفقري للرواية، حيث كان هناك سفاح مخبول اسمه دراكولا المخوزِق، وكان هناك سلطان عثماني اسمه محمد الفاتح تواجها في القرن التاسع الهجري. بعد ذلك تغوص الرواية في أسطورة تقول إن "دراكولا" قد عاد من عالم الأموات لينتقم، لكن هذه المرة من أعدائه العثمانيين. وهذه التفصيلة الخيالية هي ما تجعل "المخوزِق" مختلفة تماماً عن كل قصص دراكولا الأخرى، لأن السرد سيتواصل حينها في عوالم زمانية ومكانية يحكمها العثمانيون. كروائي اعتمدت على ملامسة الواقع والتحليق منه لفضاء الخيال، ثم الحطّ على نقطة واقعية جديدة للتحليق في احتمالات تطورها ثانية.. وهكذا دواليك. لعلي أختصر المشهد حين أقول إن (المخوزِق) تقدم نسخة شرقية لعوالم شرلوك هولمز، والماركيز دو ساد، ومغامرات جبرائيل فان هيلسينج".