* في واحدة من لمحات التاريخ الفريدة، استطاعت القوات الصربية القبض على الجنرال راتكو ميلاديتش قائد جيش صربيا إبان حرب البلقان التي دارت في التسعينيات الميلادية من القرن الماضي. وفرادة الحدث كون المجرم صربيًّا، ويُنظر إليه في الأوساط الشعبية الصربية كبطل قومي لما قدّمه من تضحيات خلال حرب التطهير العرقي ضد مسلمي البوسنة بين أعوام 1992 – 1995م. وأمّا من قبض عليه بعد 16 عامًا من المطاردة فهم الحكومة الصربية الحالية التي تأمل في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. * كيفية القبض على ميلاديتش مهمة في نظري كونها تؤسس لمبدأ أخلاقي يحتم إحلال العدالة حتى وإن كانت على أفراد وشخصيات اعتبارية من هذه القومية أو تلك. ومن المعروف لدى المتخصصين خاصة في علم التاريخ أن الصرب من أكثر شعوب الأرض عنصرية، فهم يتباهون بسلافيتهم ويرونها تميزهم بفوقية واستعلائية بغيضة على معاصريهم. ولهذا فهم يسعون إلى استعادة أمجادهم بالسيطرة على منطقة البلقان بأكملها حتى وإن أدّى ذلك إلى إشعالها لهبًا في كل أطرافها كما حدث عندما اغتال صربي قومي ولي عهد النمسا في عام 1914م، وأدى إلى قيام الحرب العالمية الأولى. * هذه الذهنية العنصرية المقيتة هي ما تخيف أوروبا، ولهذا سارع حلف الناتو في الحرب البوسنية إلى إيقافها من أعمالها الإجرامية ضد مسلمي البوسنة في الحرب التي شهدت تطهيرًا عرقيًّا ليس له مثيل كان يقوده بافتخار ميلاديتش وكراديتش ورئيسهم سلوبودان ميلوسوفيتش. وكل الثلاثة تمكنت القوات الدولية والحكومة الصربية من القبض عليهم وتقديمهم للمحاكمة نجا ميلوسوفيتش عندما توفي أثناء محاكمته بالنوبة القلبية، وتبقى الاثنان الآخران اللذان يمثلان وجهًا بشعًا لعدم احترام النفس البشرية. * الجنرال ميلاديتش هذا أحد أسوأ ما يمكن أن تنتجه البشرية من وحوش آدمية فقد كان يتلذذ بقتل وسحق وسحل وتعذيب المسلمين البوسنيين في مشاهد يُعيد بها ذكرى سلفه الروماني فيلاد دراكولا الذي كان يتغذى بدماء أسراه من العثمانيين في القرن الخامس عشر الميلادي، والذي تحوّل إلى أسطورة مصاصي دماء تصوّره الأفلام الغربية في أيامنا هذه، والمبنية على رواية برام ستوكر «دراكولا». * ميلاديتش وحش بشري لا يعرف الرحمة، استمتع بمقتل (8) آلاف مسلم صربي، شيوخًا وشبابًا وأطفالاً من النساء والرجال معًا في مذبحة سريبرينتسا في عام 1995م، وهو المسؤول الأول والأساسي في المذابح التي طالت مسلمي البوسنة، والتي كان يسعى مع رفيقيه ميلوسوفيتش كراديتش إلى تطهير ما كان يُسمّى بيوغسلافيا من المسلمين الذين يعتبرونهم من بقايا العهود العثمانية، وأنهم غير جديرين بالعيش في أوروبا، بل يجب أن يعودوا إلى مناطقهم الأصلية التي أتوا منها في آسيا. * ولكن وكما توعّد الحق سبحانه وتعالى أن لكل ظالم وجبار نهاية، فنهاية مجرم الحرب هذا بدأت بالقبض عليه، كما بدأت مع رفيقيه من قبل، وسينال جزاءه، وإن كان لن يزيد عن مؤبد حسب قانون محكمة الجنايات الدولية في لاهاي، لكن الأهم هو أن من يظن نفسه فوق القانون، ومن يحظن نفسه ينجو بانتهاكاته الإجرامية، فالعين الإلهية فوق كل جبار وظالم، وستحقق العدالة معه عاجلاً أم آجلاً، وشواهد التاريخ تملأ الفضاء الإنساني بأكمله. فاكس 6718388- جدة [email protected] للتواصل مع الكاتب ارسل رسالة SMS تبدأ بالرمز (10) ثم مسافة ثم نص الرسالة إلى 88591 (Stc) 63031 (Mobily) 737221 (Zain)