المجال الرياضي شيق وجذاب، لذلك فهو يستحوذ على اهتمام جل شرائح المجتمع تقريبًا، فالكل يجد فيه متعة ومجالا للتنفيس وتفريغ الشحنات السالبة التي تفرزها الحياة، فالتشجيع والانتماء لبعض الأندية لا ينكره أحد، لكنه إذا تجاوز الحد انقلب إلى الضد، خصوصًا عند من لا يؤمنون بأن الكرة فوز وخسارة، فيطغى عليهم التعصب، وبالتالي يظهر الجانب السلبي لهذا المجال ويكون وبالا على صاحبه. وفي مجلد التشجيع والتعصب؛ هو باب من أبواب الضغط والسكر خصوصًا عند من يكون المؤشر لديهم أحمر.. ويتجاوز حدود التشجيع المعقول. وهنا لن أتحدث عن الأندية لعلنا نرتقي بهمومنا وبمن انحدر عندهم الوضع هنا وتردى حتى وصل إلى مرحلة أحسب أنها مرضية؛ فتشجيع أندية أخرى ضد أندية الوطن مثلا، والدخول في الذمم والقدح في جوانب أخرى أحسبه كذلك. لذا سنفتح اليوم صفحة المنتخب الوطني والذي دعانا إلى ذلك الأخضر الشاب في مشاركته الأخيرة التي خسر النهائي فيها أمام أستراليا، قبل بضعة أيام، ولأن سقف الطموح في تلك المشاركة لم يكن مرتفعا بعد سلسلة الإخفاقات الأخيرة التي طالت المنتخبات الوطنية، فقط حصد هذا المنتخب أعلى معدلات الرضا والقبول لدى الشارع الرياضي. الشاهد أنه وأثناء مشاركة المنتخب الأول في كأس الخليج الأخيرة في الكويت جمعني حديث عابر مع أبي ميلا، وهو شخص حيادي لم يبلغ مبلغ التعصب الممقوت، ولا انخرط في ذلك المستنقع، ولكن حز في نفسه مستوى المنتخب في البطولة وقال مختصرا الوضع: ليتهم تركوا لنا الدوري وأراحونا من هذه المشاركة، ففي الدوري المستويات عالية ونجد فيها المتعة والثقة في أنديتنا، على الأقل حفاظا على أعصابنا وصحتنا. لقد أصاب كبد الحقيقة فنحن نكاد لا نختلف تقريبا أن المنتخب لم يقدم في العقد الأخير مستويات تشحذ الهمم ويعول عليها للسير نحو القمم، باستثناء المشاركة في كأس العالم الأخيرة في قطر نوعا ما. يقول أبو ميلا: لقد تركت مشاهدة مباريات المنتخب منذ فترة ليست بالقصيرة، واكتفيت بمعرفة النتيجة ومشاهدتها لاحقا، حفاظا على صحتي وأعصابي فلم أعد أقوى أو احتمل، كفاية ضغط وحرق أعصاب، وهو ما يؤكد الحقيقة الأكثر ألما، فلم يظهر لنا في العقدين الأخيرين عمل يعول عليه، لذا تكررت الإخفاقات وفقد المنتخب هيبته، وفقدنا بالتالي ثقتنا في مستوياته. مجددا السؤال ذاته يطرح نفسه: أين منتخبات المستقبل؟ وما مخرجات الفئات السنية في السنوات الماضية؟ أين المنتخبات التي حققت نتائج وقدمت مستويات وأظهرت خامات عالية الجودة؟! أين منتخب الصقور (أ)، ومنتخب الصقور (ب)؟ لذلك تخيلوا معي: لو أنه ومنذ عقدين من الزمن تم اختيار منتخب مواهب وابتعاثه خارجيا للمشاركة في الدوريات أو البطولات القوية، والصبر عليهم كما صبرنا على منتخبنا الحالي، وفي الوقت ذاته لو أنه تم تفريغ منتخب آخر.. وبمدرب وطني للمشاركة في الدوري المحلي الحالي المتعوب عليه بقوته الحالية، أو إشراكه في بطولات أخرى أقوى. تخيلوا فقط لو أنه تم اعتماد 50% أو أقل من المحترفين المسموح بالتعاقد معهم أقل من عشرين عاما. وإضافة بند في عقودهم للتركيز على المميزين منهم والاستفادة منهم لدعم المنتخب. لو أنه تم تخصيص دوري يلو أو دوري الدرجة الثالثة للمدربين الوطنيين فقط. فقط تخيلوا معي لو كان ذلك كله أو جله ومنذ عقدين من الزمن فهل سيكون الوضع على ما هو عليه اليوم؟! أعتقد بل أكاد أجزم أن الوضع سيكون أفضل بل أجمل، وسيكون ذلك كله أو جله كفيلا بمنحنا منتخبا أفضل نراهن ويعول عليه، وسيكون الحال على الأقل أفضل من المستويات الحالية! أمامنا عشر سنين تقريبا قادمة قبل كأس العالم في الرياض، أتمنى من كل قلبي أن تكون هناك التفاتة للمنتخب بما يعادل الاهتمام بالدوري.