يُعد العلاج الجيني ثورة حقيقية في مجال الطب، حيث يوفر إمكانات هائلة لعلاج الأمراض التي كانت تُعتبر مستعصية في السابق، ولا يمكن علاجها بالطرق التقليدية، فقبل عقود أيام كلية الطب (أيام الطيبين) كان أساتذة كلية الطب يشرحون أن أغلب الأمراض الوراثية هي أمراض مستعصية لا علاج لها، ويشبهون الموضوع كمن يبني بيتا من الطوب ويكون الطوب نفسه معطوبا، مهما حاولت أن تجمل أو تصبغ البيت لا يمكن أن ينصلح لأن (البلوك) للبيت وأساساته خربانة، وكذلك الجسم مبني من الخلايا و (دي أن أيه) فإذا هناك خلل في المادة الوراثية لا يمكن إصلاحه غالبا بالأدوية أو غيرها. تصور أن هنالك أكثر من 6000 اعتلال ومرض وراثي، الغالبية ليس لها علاج! الآن أغلب هذا المفهوم تغير وأتت ثورة الطب التجديدي وأحد أهم أقسامه العلاج الجيني وبدأت ثورة بمعنى الكلمة في العلاجات الجينية، وبعد أن كان العلاج الجيني نادرا وربما حتى كثير من الأطباء لم يسمع به، أصبحت الآن هناك عشرات العلاجات الجينية التي تم اعتمادها في السنوات الأخيرة، والآن هناك أكثر من مائة علاج جيني في مراحل متعددة من التجارب وآتية على الطريق. إن العلاج الجيني يتضمن إدخال وتعديل، أو استبدال الخلل داخل الجينات وفي داخل خلايا الجسم لمعالجة الاضطرابات الوراثية وغيرها من الأمراض، وببساطة العلاج الجيني هو تدخل طبي مبتكر يتضمن تعديل المادة الجينية داخل خلايا الشخص لعلاج أو منع الأمراض. وهناك أنواع متعددة من العلاج الجيني مثل: العلاج الجيني للخلايا الجسدية: يستهدف الخلايا غير التناسلية، بهدف علاج أو شفاء الأمراض دون التأثير على نسل المريض العلاج الجيني للخط الجنيني: يتضمن تعديل الجينات في البويضات أو الحيوانات المنوية أو الأجنة لإحداث تغييرات يمكن توريثها العلاج الجيني داخل الجسم: يوصل التعديلات العلاجية مباشرةً إلى جسم المريض العلاج الجيني خارج الجسم: يتضمن تعديل خلايا المريض خارج الجسم قبل إعادة إدخالها وأيضا في السنوات الأخيرة، شهدت تقنيات تصنيع العلاج الجيني تقدمًا ملحوظًا واختراقات كبرى، مع خلال تطوير تقنيات جديدة تسمح بتعديل الجينات بدقة أكبر وبسهولة أكثر وبطرق أكثر أمانًا، ومن أشهر الطرق الحديثة هي تقنية التعديل الجيني (كرسير كاس 9) ( Crispr Cas 9 )، وقد أحدثت تغييرًا جذريًا في الإمكانيات المتاحة للعلماء. تشمل التطبيقات السريرية للعلاج الجيني علاج الأمراض الوراثية مثل التهاب الشبكية الصباغي والثلاسيميا والأنيميا المنجلية والعشرات غيرها، بل تصور أنه في وقت واحد هيئة الغذاء والدواء اعتمدت علاجين جينيين اثنين لعلاج مرض وراثي مثل الأنيميا المنجلية الذي يعاني منه الملايين حول العالم ولقرون، وليس له علاج شاف فعال، والآن في نفس الوقت علاجان يتم اعتماهما بدل علاج! الشيء بالشيء يذكر، كنا نعرف وقت المراجعة والإعلان، وكنت ذلك اليوم مع أحد الزملاء والأصدقاء الذي اخترع أحد العلاجين، وكنا نمازحه بعض الشيء لتخفيف الضغط عليه قبل الإعلان، وبعد إعلان اعتماد الدواء سألته كيف شعورك؟ فكان يقول تشعر أن كل هذه السنوات التي قضيتها في البحث والتجارب والضغوط كأنك تحصدها اليوم، والأهم أنه الآن أستطيع القول لمئات المرضى الذين يزورون عيادتي أن هناك علاجات فعالة لمرضكم بعد أن كان أغلب العلاج مجرد مسكنات أو ملطفات! على الرغم من الإمكانيات الواعدة، يواجه العلاج الجيني تحديات عديدة، بما في ذلك ضمان السلامة والفعالية على المدى الطويل والتعامل مع الاستجابات المناعية المحتملة. ومع ذلك، يستمر الباحثون في العمل على تطوير علاجات جينية أكثر تقدمًا وأمانًا، مع التركيز على تحسين نوعية الحياة للمرضى وأيضا هناك عائق كبير ومهم وهو السعر! وما أدراك ما السعر! بسبب أن العلاجات الجينية استغرقت أعواما من البحث والتجارب، وأيضا من الإنفاق والتكاليف، وتحتاج معدات دقيقة ومواد غالية جدا لتصنيعها، هذا غير هامش الربح الذي تضعه الشركات، وهو كبير أيضا! وكمثال: علاج جيني مثل زولحينسما وهو لعلاج ضمور عضلات الحبل الشوكي يكلف حوالي 2.1 مليون دولار علاج جيني مثل لوكستورنا لعلاج بعض أنواع العمى الوراثي يكلف 850 ألف دولار علاج جيني هيمجينيكس وهو لعلاج الهيموفيليا بي أو سيلان الدم (الناعور) يكلف 3.5 ملايين دولار علاج جيني زينتغلو وهو لعلاج مرض التلاسيميا ويكلف حوالي 2.8 مليون دولار طبعا الكثيرون سيقولون إن هذه العلاجات غالية جدا ولا يستطيع العامة الحصول عليها، نعم هذا صحيح، وأزيدكم من الشعر بيتا، كثير من الأطباء حول العالم مستاؤون من الأسعار ويشاركونكم الرأي، ونحن في هذا المجال لسنوات طويلة ونعرف الآراء حوله، لكن العلاجات الجينية مثل أي اختراع جديد في العالم يبدأ غاليا جدا، ومع الوقت سيرخص الثمن والتكلفة، وليس ببعيد عنا فحص التسلسل الجيني، مشروع الجينوم البشري كلف حوالي 3 مليارات دولار واستغرق حوالي 13 سنة، و الآن يمكنك عمل التسلسل الجيني الكامل باقل من ألف دولار وفي خلال 48 ساعة!