لا شك أن إعادة هيكلة مجلس إدارة شركة «سامي للصناعة العسكرية» ودخول عديد من الأسماء الجديدة والأهم أن مجلس الإدارة أصبح تحت قيادة سمو وزير الدفاع شخصيًا، كلها بوادر تؤشر إلى أهمية شركة «سامي للأمن الوطني» في المملكة، وأيضاً إعادة هيكلة مجلس شركة «سامي» يشير إلى أن هناك رؤية لتحسين وتطوير توجهاتها وأهدافها وإستراتيجياتها سواء على المدى القريب أو البعيد. كتبنا عديدًا من المقالات عن الصناعة الدفاعية في المملكة وعن «سامي» خصوصًا، وكان آخرها مقالان متتابعان بعنوان «معرض الدفاع بين الواقعية والمأمول 1-2» وهو عن معرض الدفاع العالمي وذكرنا شركة «سامي» تحديدًا وقبلها كتبنا عدة مقالات تشرح وضع «سامي». لا أفضل أن أعيد ما كتب سابقًا، لكن من باب الإيجاز المختصر، فإن السعودية تعتبر واحدًا من أكبر خمس دول في الإنفاق الدفاعي، وكان التصنيع المحلي ضعيفًا جدًا يشكل نحو %2 فقط، ولكن وبسبب الرؤية والنظرة الحكيمة من لدن سمو ولي العهد الذي وضع هدف أن يكون التصنيع المحلي %50 بحلول 2030 تغير قطاع التصنيع العسكري 180 درجة، وبعد إطلاق هذا الهدف كان هناك تحسن دراماتيكي في التصنيع العسكري في المملكة وزيادة كبيرة في عدد الشركات المحلية التي دخلت مجال الصناعة الدفاعية، وبعضها وفق وبعضها الآخر تسرع ولم يكن يملك رؤية واضحة ولم يوفق وذكرت الأسباب سابقًا، لكن أهم ثلاثة عوامل للتصنيع العسكري بما يناسب الوضع السعودي وهي خلاصة الوصول إلى تصنيع عسكري مؤهل جودة وعددًا تم ذكرها وركزنا عليها في مقالنا قبل أسابيع، ويمكن للقارئ الاطلاع عليها. أما بخصوص شركة «سامي»، فكانت الآمال عليها كبيرة لأنها اعتبرت بمثابة السفينة الرئيسة «فلاغ شيب» للقطاع الذي ستقوده نحو التقدم والتطور خصوصًا أنها مدعومة من صندوق الاستثمارات العامة ومن الحكومة، وكان الهدف أن تكون إحدى أكبر شركات الصناعة العسكرية في العالم، وتكون أشبه بالمظلة التي تنضوي تحتها عدة شركات مدمجة للوصول لصناعة عسكرية متكاملة، لكن مشكلة «سامي» الواضحة، وهذا ذكرناه سابقًا وفي عدة مناسبات، أنه لا يوجد هوية واضحة ل«سامي» كالشركات الدفاعية العالمية الأخرى، عندما تذكر «سامي» ما الذي يخطر على البال أو الصورة الذهنية أو البراند التي تتوقعه، بسهولة لو ذكرنا «لوكهيد مارتن» لها صورة معينة بينما «رايثيون» (تغير اسمها) أو جنرال «داينمكس» لها صورة ذهنية وبراند معين مختلف، قد يقول قائل هذه شركات عالمية منذ عقود، و«سامي» جديدة نسبياً، ولكن حتى الشركات التي نموذجها نسبيًا مشابه للحالة السعودية في النهضة الصناعية العسكرية وإن كانت قبل، مثل الشركات الكورية والتركية لها شخصيات مختلفة، لن تلخبط أو تشوش بين «روكستان» و«اسلسان» مثلاً. في «سامي» تجد باقة متنوعة من الأشياء لكن التجانس صعب، وتحس رغم كثرة الأشياء المعروضة فإنها ليست منسقة بشكل جذاب محترف مما يبعث برسالة غير واضحة، فلا تعرف ما هي الرسالة أو الانطباع الذي يريدون إيصاله. توسعت «سامي» كثيرًا في الفترة الماضية وزاد عدد الموظفين من خلال الاستحواذات ومن خلال الشراكات، لكن السؤال الذي يطرح نفسه، هل هذه الاستحواذات والشراكات كانت للوصول لهدف ورؤية معينة، هل الشركات التي دخلت «سامي» معها دخلوا لأن «سامي» شريك سيقدم مشاركة نوعية أو بسبب أن «سامي» ذراعًا حكومية ولن تقدر هذه الشركات على الدخول للسوق السعودية حاليا إلا بشراكة أقوى الأذرعة وهي «سامي»، سامي تحتاج إلى هوية أكثر تركيزًا إلى صورة ذهنية معينة. الصراحة وما يهمنا كثيرًا في الوقت الحالي نقطتان أساسيتان أمل من مجلس الإدارة الجديدة، وفيهم عديد من الخبرات، وضعهم بالاعتبار خصوصًا في الأوضاع العالمية الحالية: 1 - لقد كان معرض الدفاع العالمي مخيبًا بعض الشيء للآمال بسبب أن عديدًا من الشركات الدفاعية السعودية لم تأخذ في الاعتبار التغيير الهائل في الإستراتيجيات العسكرية والتكتيكات التي حصلت خلال السنوات الأخيرة، وهو ما لم يحدث في عدة عقود، خصوصًا في الحرب الروسية- الأوكرانية وغيرها، لم أرَ استفادة عملية من الدروس التي تحدث في هذه الحرب بالشكل المطلوب، خصوصاً أن التكتيكات المستخدمة وكيفية مجابهتها، للأسف أن عديدًا من الشركات أخذت المسار الكلاسيكي ولم تتلاءم مع التحديثات! وهذا يدل على عدم المرونة وهذه الصفة هي أهم عنصر في البقاء في المجال الدفاعي وهي القدرة على التغيير والمرونة لمجابهة الأخطار الناشئة الحديثة. إن التركيز على دروس الحرب الروسية - الأوكرانية خصوصًا أو الآذرية الأرمنية أو على دروس المشكلات الحالية في المنطقة سيوفر علينا كثيرًا من الجهد والمال والإصابات مستقبلًا، خصوصًا أننا في طور بناء بلد متطور يحتاج لحماية شعبه مقدراته ومشاريعه. 2 - شنت حربًا خبيثة على المملكة في السنوات الماضية من خلال حظر الأسلحة والذخيرة رغم عدالة القضية، وكان هناك ابتزاز واضح، قد لا يعلم المواطن العادي عن دهاليز هذه الحرب الغربية القذرة لأن القيادة حرصت على راحته لكن أعتقد أن التركيز على الاحتياج وتغطيته وعدم الاعتماد على المصادر الخارجية خصوصًا الغربية غير الموثوقة أهم من العدد أو النسبة! لا شك أننا سنصل إلى %50 في 2030 لكن لنبدأ في الأهم ثم المهم! قطعة أو ذخيرة احتاجها بشكل مكثف أثناء الحرب توفيرها وتصنيعها أهم من قطعة قد احتاجها لكن ليس باستمرار! أو قطعة تستخدم في تكتيكات الحروب الحديثة أخيراً، وفي المقابل أيضًا قطعة للصد أو الحماية مما يستخدم، أخيراً، في النزاعات الحالية كلاهما أكثر أهمية من قطعة تقليدية تستخدم في الجيوش. أتمنى التوفيق والنجاح لمجلس الإدارة الجديد، وأي نجاح شركة «سامي» سيكون نجاحًا لقطاع التصنيع العسكري السعودي ككل ولبقية الشركات لأن «سامي» ستكون مثالًا يحتذى به.