يُعد قطاع الطاقة أحد المؤشرات على التكاليف الباهظة التي ستدفعها المنطقة حال نشوب صراع أوسع نطاقًا، مع بعض التداعيات التي يمكن قياسها بالفعل في بعض البلدان. قبل حرب غزة، كانت اكتشافات الغاز الطبيعي في شرق المتوسط توفر آفاقًا جذابة. وظاهريًا، بدا أن المنطقة تدخل مرحلة من التعاون في مجال الطاقة والأمن. ثم جاءت حرب إسرائيل مع «حماس». في 9 أكتوبر، بعد يومين من هجوم حماس، علقت إسرائيل الإنتاج من حقل «تمار»، ثاني أكبر حقل للغاز لديها. وفي وقت لاحق، تم إغلاق محطة النفط الإسرائيلية في عسقلان أمام السفن وسط الهجمات الصاروخية. خلال النصف الأول من 2023، حصلت إسرائيل على أكثر من 263 مليون دولار من عائدات الغاز الطبيعي. وقبل بدء تشغيل حقل «ليفياثان» الذي تبلغ طاقته 23 تريليون قدم مكعب عام 2020، كان «تمار» (13 تريليون قدم مكعب) يقود إنتاج إسرائيل منذ عام 2013، عندما بدأت بالإنتاج. في العام الماضي، بلغ إنتاج إسرائيل من الغاز 21.92 مليار متر مكعب، حيث احتل حقل «ليفياثان» الصدارة (11.4 مليار متر مكعب) ويليه حقل «تمار» (10.2 مليارات متر مكعب). وتم استهلاك ما مجموعه 12.71 مليار متر مكعب محليًا، خاصة في قطاع الطاقة، في حين تم تصدير 9.21 مليارات متر مكعب. استفادة أوروبية تستفيد أوروبا من الغاز الإسرائيلي في سعيها لتنويع إمداداتها وتقليل اعتمادها على موسكو. ولتحقيق هذه الغاية، وقع «الاتحاد الأوروبي» مذكرة تفاهم مع مصر وإسرائيل في يونيو 2022 لشحن الغاز المنتج في أي من البلدين إلى القارة. لكن زيادة إنتاج مصر ستتطلب زيادة الإنتاج وتطوير البنية التحتية. وبينما تنتج مصر الغاز الخاص بها وتطمح إلى أن تصبح مركزًا إقليميًا لهذا القطاع، إلّا أنها شهدت انخفاضًا في الإنتاج في السنوات الأخيرة، ما أثر على قدرتها على تلبية الطلب المحلي وتصدير الغاز الطبيعي المسال. وبلغ إنتاج مصر من النفط خلال الأشهر ال7 الأولى من عام 2023 ما يقدَر ب5.076 مليارات متر مكعب، بانخفاض حوالي 12% مقارنة بالفترة ذاتها من 2021. كما انخفضت صادرات مصر من الغاز الطبيعي المسال عام 2023 بسبب تزايد الاستهلاك المحلي؛ وبالوتيرة الحالية، سيبلغ إجمالي هذه الصادرات حوالي 3.4 ملايين طن متري بحلول نهاية العام، مقارنة ب7.1 ملايين طن متري في 2022. الحرب تعطّل واردات إسرائيل توقفت واردات إسرائيل من النفط الخام بعد إغلاقها ميناء عسقلان. وتشير بيانات شركة «كبلر» إلى أنه في سبتمبر جاء 179000 برميل يوميًا من واردات إسرائيل من النفط الخام البالغة 205000 برميل يوميًا عبر عسقلان والباقي عبر ميناء حيفا. ومنذ إغلاق عسقلان، تم استيراد شحنة نفط خام واحدة على الأقل عبر ميناء إيلات على البحر الأحمر. ونظرًا لأن معظم واردات إسرائيل تأتي من البحر المتوسط والبحر الأسود، فقد ترغم الحرب المطولة مزيدًا من الناقلات على الإبحار في مسار أطول - عبر قناة السويس إلى إيلات بدلًا من عسقلان، مما يضيف حوالي 4 أيام إلى الرحلة ويرفع تكاليف الشحن. ومع ذلك، فوفقًا لشركة «كبلر»، كان لدى إسرائيل حوالي 10.72 ملايين برميل من النفط الخام في مخزوناتها حتى 27 أكتوبر يمكنها السحب منها إذا لزم الأمر. وهذه هي المرة الثانية التي تشهد فيها واردات النفط الإسرائيلية انقطاعًا هذا العام. ففي مارس، توقفت تدفقات النفط الخام الكردي من العراق، من ميناء جيهان التركي بسبب النزاع المستمر بين بغداد وأربيل وأنقرة. ونتيجة لذلك، اضطرت إسرائيل إلى زيادة وارداتها من النفط الخام من مصادر أخرى، وخاصة أذربيجان (التي يتم تحميل شحناتها إلى إسرائيل في ميناء جيهان) وكازاخستان (التي يتم نقل تدفقاتها من الخام عن طريق نظام «تحالف خط أنابيب بحر قزوين» ويتم تحميلها في محطة يوزنايا أوزيريفكا على البحر الأسود بالقرب من نوفوروسيسك، روسيا). لكن استبدال أنواع النفط الخام ليس مهمة سهلة دائمًا نظرًا لأن الجودة تختلف من مورّد إلى آخر، ويمكن أن يؤدي التحول إلى ارتفاع تكاليف الشحن. انعدام أمن الطاقة منذ 2020، كان للأزمة المالية في لبنان تأثير شديد على قطاع الطاقة الهش في البلاد. وتواجه الحكومة صعوبات في شراء شحنات المنتجات النفطية لتزويد أربع محطات كهرباء ساحلية بالوقود. وهناك محطتان فقط تعملان بزيت الغاز في الآونة الأخيرة - الزهراني في الجنوب ودير عمار في الشمال - وإن كان ذلك مع انقطاعات متكررة. ووسط انقطاع الكهرباء الحاد، عمد مستوردو النفط من القطاع الخاص في لبنان على زيادة وارداتهم من الديزل، الذي يستخدم بشكل أساسي لتشغيل مولدات الطاقة الخاصة. وفي حال تفاقم الأمور والتوتر بين إسرائيل و«حزب الله»، فلا تتمتع حكومة تصريف الأعمال في لبنان بالقدرة على معالجة حالات الطوارئ الجديدة. فخلال حرب عام 2006، قصفت إسرائيل صهاريج تخزين النفط في محطة الجية لتوليد الكهرباء في جنوبلبنان، مما تسبب في تسرب كبير لزيت الوقود الثقيل إلى البحر المتوسط وأدى إلى كارثة بيئية. ومن شأن صراع أوسع نطاقًا أن يؤثر أيضًا على حركة الشحن إلى لبنان، مما يزيد الضغط على اقتصاده المتعثر أنشطة تنقيب في 2022، أتاحت اتفاقية الحدود البحرية التي توسطت فيها أمريكا بين إسرائيل ولبنان أنشطة التنقيب البحرية في المنطقة الجنوبية من لبنان. لكن على الرغم من الآمال الكبيرة التي علقتها البلاد على هذه الأنشطة، لم يؤدِ الحفر الذي قامت به شركة «توتال إنيرجيز» في البئر الاستكشافي «قانا 1/31» إلى اكتشاف النفط. على السياسيين اللبنانيين الآن أن يحوّلوا انتباههم بعيدًا عن أحلام أنابيب الغاز ونحو تنفيذ الإصلاحات التي طال انتظارها. وعلى مدى السنوات القليلة الماضية، شجعت واشنطن دول شرق المتوسط على تنويع مصادر الطاقة لديها، ومعالجة تغير المناخ في الوقت نفسه. وقد نجحت دبلوماسية الطاقة هذه في بعض المناطق، ولكن حرب غزة كشفت عن المخاطر الجيوسياسية العالية التي تواجهها المنطقة. وإذا اتسعت رقعة الحرب، لن ينجو قطاع النفط والغاز من تداعياتها الاقتصادية، وستؤجل خطط الطاقة الخاصة بالحكومات في المنطقة لعدة سنوات. الحرب في غزة تؤثر في صادرات مصر للغاز واردات إسرائيل تتأثر وتزيد تكاليف شحنها توسع الحرب يهدد الطاقة الضئيلة والمحدودة في لبنان أوروبا تتأثر بالحرب بعد توقف تصدير الغاز الإسرائيلي