قرار سيكون له ما بعده، حيث لن تكون الجرائم التي ترتكبها إسرائيل ضد الشعب الفلسطيني في غزة مجرد أحداث تتناقلها الأخبار، ثم لا تلبث أن تتجاوزها الذاكرة. فهكذا اخترقت القمة العربية الإسلامية المشتركة غير العادية التي استضافتها الرياض، السبت الماضي، حاجز التناسي العالمي، وقدمت في بيانها الختامي بنداً ضمن قراراتها يتضمن إنشاء وحدة رصد إعلامية لتوثيق هذه الجرائم التي ترتكبها سلطات الاحتلال الإسرائيلي، في خطوة تعتبر افتتاحاً لمسار جديد في مواجهة العدوان الإسرائيلي على الشعب الفلسطيني الشقيق. ورغم أن القرار العربي الإسلامي تزامن مع أحداث غزة الأخيرة والاستهداف الإسرائيلي البشع لإنسانها في حياته وأمانه ومرافقه الحيوية، فإنه سيقدم موسوعة لهذه الجرائم بتسلسلها الزمني وتفاصيلها النوعية، وتوثيقاً مكثفاً يفضح العدوان ويعكس صورة الوجه الإسرائيلي الآخر أمام العالم. لقد استخدمت الآلة الإسرائيلية الإعلام بأقصى الدرجات وهي تعكس طوال عقود حالتها أمام الغرب بأنها طريدة وسط غابة من الوحوش، وأنها نقطة مضيئة للحضارة والوعي يريد جيرانها أن يطفئوها، وأنها تعيش في حالة دفاع عن النفس في حين يسن الآخرون سكاكينهم للإجهاز عليها. هكذا استخدمت إسرائيل الإعلام، وهكذا أفلحت، بكل أسف، في استمالة الرأي العام الغربي وكسب تعاطفه، لتنجح في بسط غشاوة كثيفة أمام الأعين، ولتمارس بكل راحة الجرائم وراء تلك الحُجُب، دون أن يدرك العالم ما وراء الصورة من مذابح وجرائم لا تقبلها عدالة ولا يقرها قانون. إن غياب الحقائق عن أعين العالم، يقود إلى غياب التقييم الصحيح للمواقف المنتظرة، ويكرس لواقع معزول عن رؤية الآخرين، تعشش فيه الممارسات الخارجة عن الأنظمة والقوانين، وتنمو في أرجائه كل مظاهر الكراهية والعدوان المنافي للأعراف الإنسانية. والآن بتنا أمام خطوة إعلامية عربية إسلامية لمنازلة سلاح الإعلام الإسرائيلي بأدواته نفسها، وتكشف الحقائق كما هي أمام الرأي العام العالمي، ليكون العالم على وعي بما يجري على أرض الواقع، ردعاً للعدوان الغاشم على الشعب الفلسطيني، ومناصرة له في استعادة حقوقه المشروعة على أرضه. إن كل القرارات السياسية التي تتبناها الدول، هي نتاج لقناعات الرأي العام الداخلي فيها، ولذلك فإن تشكيل البنية التحتية لأي قرار يبدأ من تشكيل الرأي العام، وهذا ما يلعب الإعلام الدور الرئيس فيه، حيث يشكل جسراً يعبُر منه الرأي.. ليصبح قراراً تلتزم به الدول وتعمل على تنفيذه بكل قواها. هكذا أدخلت القمة سلاح الإعلام.. بما يبثه من الوعي، وما يزيله من الضباب، ليصبح جزءاً مهماً من المواجهة في كسب الرأي العام الدولي، عبر توثيق الجرائم الإسرائيلية وفضحها، الأمر الذي يتطلب دعم التوجه وتمهيد الطرق أمامه، ليؤدي دوره في صناعة الرأي العام الواعي بما يجري، الذي ينعكس في غاياته النهائية على القرار الذي يضع الأمور في نصابها. إن عمليات التوثيق والرصد المنتظرة لكل الجرائم الإسرائيلية بحق الفلسطينيين، التي تم تكليف أمانتي الجامعة العربية ومنظمة التعاون الإسلامي بإنشاء وحدة متخصصة لتأدية مهامها، ستكون بمثابة البينات الدامغة أمام الجهات العدلية الدولية، وأمام محاكم الرأي العام، بما يُرتكب من جرائم وما يتم من تجاوزات خطيرة تجاه الإنسان في غزة جراء العدوان الإسرائيلي عليه. إنه السهم العربي الإسلامي النافذ الذي خرجت به قمة الرياض العربية الإسلامية، والخطوة التي تمهد لردع أي عدوان مستقبلي، وتفتح الباب أمام استعادة الحقوق التي طال انتظارها.