قال الدكتور مرزوق بن تنباك: إن لهجات المدن الكبرى (الرياض، وجدة، والدمام) أذابت بقية اللهجات السعودية، وإن أصحاب اللهجات المحلية الذين تعايشوا بالرياض تركوا لهجاتهم وأجادوا لهجة العاصمة، وأصبح للرياض لهجة اتفق عليها كثير، وكذلك لهجة جدة والدمام وغيرها من المدن الكبرى، وهؤلاء اتفقوا على لهجة واحدة ومفاهيم ودلالات لغوية واحدة لكنها عامية وتختلف عن اللهجات التي تستخدم على المستوى الإقليمي أو القبلي. جاء ذلك خلال اللقاء المفتوح الذي نظمه نادي الرياض الأدبي أول من أمس حول العامية والفصحى، واستضاف خلاله كلا من الدكتور مرزوق بن تنباك والدكتور عوض القوزي وأدار اللقاء الدكتور محمد الهدلق. وبدأ ابن تنباك حديثه قائلا: كنت أظن أن الحديث حول العامية من فضول القول، فقبل 30 عاما كان هناك موجة في الأدب والرأي العام والنشر تدعو إلى العامية وكان هناك جدل لا ينتهي، وهذا الجدل موجود في كل اللغات العالمية، ولكن ما يجعل للهجة العامية اهتماما هو اهتمام الناس بها، وكان هناك دعوة واضحة في الخليج والمملكة لمزاحمة تأصيل العادات والتقاليد، لأن العامية هي مصدر تاريخي وثقافي وهوية لكل أمة، ولهذا كان بعض أساتذة الجامعات والمثقفين يدعون للعامية، وقد قمت بتجربة بالتسجيل لكبار السن الذين لا يقرؤون ولا يكتبون فاكتشفت أن 90 % مما يتحدثون بها فصحى لكنها لم تكن تبنى بناء نحويا. وأكد ابن تنباك أن انتقال أصحاب اللهجات المختلفة إلى العاصمة أدى لاندماج بين نص العامية والفصحى والتي يحاول سكان العاصمة التواصل من خلالها. والذين يعودون من الرياض لمناطقهم يطورون لهجات قبائلهم ومسقط رأسهم، وهناك تعميم نوع من العامية على المناطق وذوبان اللهجات في مناطق أخرى، وهذا الحال كان قبل انتشار الإسلام، وهذا الإحساس بأن العامية بدأت تأخذ منحى متقدما لكنه لا يشكل خطورة على الفصحى لأنه لا يتحدث عنها، إنها الأصالة والتاريخ، انتهى هذا التمجيد للعامية وأصبحت واقعا مقبولا. وحول حل للمشكلة التي تدور بين الفصحى والعامية رأى ابن تنباك أن الحل لا بد أن يكون سياسيا، فقد بدأت المشكلة مع تبني عمر بن الخطاب للغة قريش لتعمم على كل العرب وهذا ما أدى لنشرها. وتساءل الدكتور عوض القوزي هل عرف العرب قبل الإسلام لغة فصحى. أم أنهم كانوا يتكلمون العامية؟ وأي فصحى اجتمعوا عليها وأي عامية؟ والذي أثر أن قريش كانت تأخذ من لهجات القبائل وانتقت لغة لها فأصبحت أشرف اللغات، لكن هل اجتمعت العرب على لغة قريش، ونحن لا نميز بين هذه اللهجات إلا بما تمتاز به من الفصحى التي تمتاز بالإعراب، أما العامية فتتخلى عن الإعراب، والنحاة يتخلصون من تعقيدات النحو ويميلون إلى اللحن الذي هو من طبائع العامية. وأكد القوزي على أن التقعر ليس مطلوبا والتخلي عن الإعراب في أماكن الإعراب أمر مرفوض، والأفضل أن يتكلم المرء على طبيعته، وإن كان قادرا على ذلك فبعض النفوس تنفر من اللغة إذا كانت محققة، وبعض من يتحدثون بالفصحى يتثاقلون التحدث بها وتنفر الأسماع من سماعها. وأشار القوزي إلى أن الأعاجم تعلموا صنفا واحدا من اللغة، وإذا أردنا أن نبحث عن الفصحى فستجدها في بلاد ما وراء النهرين، فهؤلاء لا يستطيعون سوى التحدث بالفصحى حتى يتعلموا القرآن الكريم، وقد جاءتنا وفود من العالم الإسلامي وهم لا يجيدون سوى الفصحى ويفاجئوا في كلية الآداب أن طلابنا لا يتكلمون الفصحى، بل وصدوا عنها، وكانوا يستهزؤون بهم، وبعض هؤلاء الأعاجم إذا تكلم مع أحد طلابنا بالفصحى على مائدة طعام تركوا لهم المائدة، ولو استخدم أحد الفصحى في السوق لتعرض للمهانة، ولغتنا جميلة وسهلة وتستوعب كثيرا من الألفاظ فلا غضاضة أن نتخلى عن الإعراب، ولن نقول إننا خرجنا من رداء المجتمع لرداء آخر ولا نشق عليهم ليتكلموا بالإعراب، وحتى لا تقوم خصومة بين الفصحى والعامية. وأوضح أن الإعراب لا ينبغي إلا في الشعر والخطابة وقراءة القرآن. وطرح أحد الحضور سؤالا على ابن تتباك حيث سأله إن كان يتعرف على الطلاب من خلال لهجاتهم وأسمائهم فكيف نعرفك من اسمك (مرزوق بن صنيتان) فاسمك صنيتان، فرد ابن تنباك بأن أحد أساتذته قال له إن صنيتان هذا اسم يوناني، فقلت إنني أعرف أني سعودي وولدت في السعودية، وشرح ابن تنباك معنى كلمة صنيتان بأنها "السيد المطاع" وهو اسم غريب على العرب، وأول ذكر له كان في القرن السابع الهجري وشاع فقط قبل 100 عام فقط، وهناك كثير من شيوخ القبائل يحملون هذا الاسم وكان أول استخدام له بين شيوخ القبائل فقط. وطالب القوزي الإعلام بأن يرتقي باللغة العربية، قائلا "للأسف الإعلام لم يعلم الناس اللغة الفصحى بل هجن اللغة، وعليه أن يرتقي بها.