لا أعلم إن كان سيكتب لي عبور جسر صفوى/ رحيمة البحري قبل التقاعد عن العمل أم لا، فقد مر عامان كاملان على تصريح مسؤول وزارة النقل بالمنطقة الشرقية حول نية إتمامه في هذا التوقيت من العام، إلا أن المشروع الذي بدأ في عام 2008 ما زال أمامه الكثير لينجزه، وبالخصوص القناة البحرية التي يراد منها ضمان حركة تيار المياه تحت الجسر حفاظًا على حياة الكائنات البحرية. تأخر المشروع منذ انطلاقته بسبب غياب الدراسات التي تضمن استدامة الحياة البحرية في هذا الساحل، فجاء التوقف للاستدراك بعد صيحات من المهتمين بالبيئة والمشتغلين في الصيد لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من بيئة تعرضت للكثير من الأضرار، بسبب قرارات تطويرية لم تأخذ في حسبانها الآثار البيئية لأشكال التمدد الحضري والصناعي، وهنا جلب التقييم البيئي للمشروع تصاميم جديدة وتكاليف إضافية، ضاعفت من كلفة المشروع المادية، ومن مدة إنجازه، إلا أنها في المقابل من المقرر أن تساهم في تخفيض التكاليف البيئية لأشكال الردم والإنشاء في البحر. ما جرى في انطلاقة مشروع الجسر هو صورة من الكثير من المشاريع التي مرت خلال العقود الأربعة الماضية على هذا الساحل، بدأت برغبة تقديم مشاريع خدمية وتطويرية للمنطقة وسكانها، وانتهت إلى معضلات بيئية طويلة الأجل، فكانت عجلة التطوير تتقدم لأجل الإنسان واحتياجاته، من أجل شوارع فارهة، وبيوت كبيرة، ومنشآت خدمية وصناعية، لكنها أحدثت نوعًا من الشرخ في علاقته بالبيئة، حتى صار الدارج أن تكون البيئة وأسئلتها متذيلة لقائمة الاهتمامات. الحراك الديموجرافي الكبير الذي شهدته المنطقة دفع باتجاه التوسع عمرانيًا على حساب البحر شرقًا والمساحات الزراعية غربًا، الأمر الذي انتهى إلى لون من الإجهاد البيئي على حد وصف «الرؤية العمرانية الشاملة لمدينة القطيف» والصادرة عن وزارة الشؤون البلدية والقروية في 2019. بالطبع كانت هنالك الكثير من التشريعات والأنظمة، حتى في بداية السبعينيات، بيد أنها كانت على نحو الإجمال لا التفصيل، تأخذ شكل النظريات التي لا تجد لها طريقًا على مستوى التنفيذ، هذا ما يقوله الباحث علي فايز الشهري في دراسته للدكتوراة في مجال التخطيط البيئي مطلع الألفية، والتي خص بها واحة القطيف، حيث يؤكد غياب البيانات المختصة ببيئة المنطقة ومصادرها الطبيعية، فضلًا عن الدراسات التي يمكن الاتكاء عليها في عملية التخطيط، فالمختصون في أجهزة البلدية برأيه هم مهندسون معماريون ومدنيون ويعوزهم التدريب على التخطيط البيئي، وهو ما يدعوه للاعتقاد بأن برامج التنمية فيها لم تستند إلى المعلومات الأيكولوجية والتأثيرات البيئية. هذا ما نتج عنه خسارة القطيف لصورتها كواحة كبرى عبر تآكل الرقعة الزراعية، وتقلص مساحة المانجروف حول جزيرة تاروت وخسارة ما يقارب 70% من هذا المشتل البحري الكبير خلال الأربعين عامًا الماضية، ما دفع الكثير من الكائنات البحرية للبحث عن موئل آخر مع كل موجة رد ساحلية، وبالتالي تراجع كميات الصيد البحري، والذي تتحدث عنه أرقام وزارة الزراعة، كما تتحدث عنه الأسعار في سوق السمك، ومثلها موائد الناس في المنطقة التي باتت تبحث عن السبريم والعروسة عوضًا عن الفسكر والصافي والهامور!. لكل ذلك، نحن مستعدون اليوم لقبول أي تأخير جديد في بناء الجسر الحيوي إياه، إذا كان بذريعة الحفاظ على البيئة، نفضل الصبر عامًا بعد آخر ونحن ننظر إلى الوصلة الصغيرة المتبقية في داخل البحر، على مشاهدة الجسر مكتملًا من دون اكتمال الاشتراطات البيئية اللازمة، لأننا على هذا الساحل خبرنا وشاهدنا كيف كانت النتائج الكارثية للأخطاء السابقة على المنظومة البيئية، ولا نريد جسرًا إلى المستقبل إلا جسر الاستدامة البيئية، وأمام المنطقة الكثير من الاستحقاقات البيئية المهمة والتي في مقدمتها المشروع التنموي المعتمد لجزيرة تاروت ودارين، والمشروع الآخر المقترح من قبل المركز الوطني لحماية الحياة الفطرية بتحويل خليج تاروت إلى محمية طبيعية، وهو ما يعول عليه في استعادة العافية للبيئة الساحلية.