رغم المحاولات اللبنانية المتعددة لطي صفحة الآلام مع الجانب السوري، لاسيما بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري وقيام الرئيس فؤاد السنيورة إثر تسلمه رئاسة مجلس الوزراء في عام 2005 بالزيارة الخارجية الأولى إلى دمشق، والجهود التي قام بها الرئيس سعد الحريري تعبيراً عن رغبة حقيقية بإقامة علاقات صداقة مع سورية على أسس الاعتراف باستقلال لبنان وسيادته بعد انتخابات عام 2009، إلا أن ملف ترسيم الحدود بين البلدين لا يزال متعثراً دون حلول ملموسة. فالرئيس الحريري سعى خلال ترؤسه الحكومة إلى إقامة علاقات طبيعية، وكان مرناً وحازماً في الوقت نفسه، وركز على مسألة ترسيم الحدود، إذ رأى حينها أنه "إذا أردنا الحديث عن ترسيم الحدود فقط لا غير، فهذا يعني أننا لا نريد علاقات إيجابية، لذلك يجب عدم وضع هذا الأمر في الواجهة لعدم افتعال المشكلات، بل يجب أن نبني ثقة مع السوريين، لأن الهدف من ترسيم الحدود ليس بناء جدار فاصل، بل لفتح الحدود لدوافع اقتصادية تفيد الشعبين". تبادل السفراء خلال زيارة رسمية قام بها الرئيس سليمان إلى دمشق أجرى خلالها محادثات مع الرئيس السوري بشار الأسد في 12/8/2008، تم الإعلان عن إقامة علاقات دبلوماسية بين البلدين على مستوى السفراء وتكليف وزيري خارجية البلدين باتخاذ الإجراءات اللازمة لذلك فوراً. وجاء في البيان الصادر عن القمة أن الرئيسين اتفقا على استئناف أعمال اللجنة المشتركة لتحديد وترسيم الحدود "وفق آلية وسلم أولويات يتفق عليها بين الجانبين وبما يخدم الغاية المرجوة من قبلهما على أن يصار إلى اتخاذ الإجراءات الإدارية والتقنية اللازمة للمباشرة بذلك. تشكلت لجنة تحضيرية برئاسة الوزير جان أوجاسبيان أثناء حكومة الرئيس سعد الحريري بهدف متابعة تفعيل العلاقات ومراجعة الاتفاقيات الموقعة بين البلدين. عقدت اللجنة عدداً من الاجتماعات لا يتجاوز عدد أصابع اليد. خلال أحد هذه الاجتماعات طرح أوجاسبيان تصور الجانب اللبناني حول تطوير المعابر الحدودية، إضافة إلى وضع تصاميم كاملة ترتكز إلى بنية تحتية جديدة لكل المراكز. وجاء ذلك تلبية لما اتخذ من قرارات اتخذتها هيئة المتابعة والتنسيق في اجتماع عقد في دمشق بتاريخ 18/7/2010 لتكليف الجهات المعنية في البلدين بمتابعة المكاتب الحدودية المشتركة ووضع خطط لتطويرها. 8 و14 آذار تراوحت المواقف من موضوع ترسيم الحدود بين فريقي 8 و14 آذار. فالفريق الأول كان يريد الاستمرار في العلاقة السابقة قافزاً فوق حدث انسحاب الجيش السوري، فسورية كانت على لسان مسؤوليها تعتبر أن مطلب الترسيم إسرائيلي، إذ اعتبر الرئيس السوري بشار الأسد أن المشكلة "ليست بين سورية ولبنان بل بين لبنان وإسرائيل، حيث إن هناك احتلالاً لأراض لبنانية وعندما تحل هذه المشكلة، نحن جاهزون لترسيم الحدود مع لبنان". كما اعتبر منظرو 8 آذار العسكريون والسياسيون أن ترسيم الحدود "مسار فتنة" و"ترسيخ شقاق ونزاع" ولا فعالية له. أما مواقف 14 آذار فأكدت على أهمية ترسيم الحدود بمشاركة من الجامعة العربية وتنفيذاً لاتفاق الطائف ومقررات طاولة الحوار وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة. وأجمعت الآراء على أنه ومنذ انسحاب القوات السورية من لبنان عام 2005 إثر ثورة انتفاضة الاستقلال، لم تخل الحدود من أحداث تطرح كثيرا من الأسئلة حول حقيقة وخلفيات النظام السوري من "التحركات" المختلفة لقواته على شريط القرى الفاصل بين البلدين، مما طرح كثيرا من الأسئلة. وكالعادة فإن الكلام الإيجابي في الاجتماعات التي كانت تتم بين اللجنة الوزارية لم يقابله أي شيء ملموس على الأرض، بسبب التهرب السوري من تقديم أي التزامات جدية في شأن العلاقات بين البلدين، لا بل استمرت الخروق السورية لقوات النظام. ويذكر أن الأممالمتحدة تابعت الوضع الحدودي بين لبنان وسورية وكانت في كثير من الأوقات تعرب عن استيائها من الأوضاع، لاسيما من الخرق الذي تقوم به سورية لجهة إدخال السلاح إلى لبنان بما يتناقض مع القرار 1701. مواقع القيادة العامة وكان أكثر ما يقلق المنظمة الدولية هو وضع مواقع "القيادة العامة" في قوسايا ومحيطها وفي السلطان يعقوب وحلوى، حيث تتمركز عناصر من منظمة "فتح الانتفاضة". كما عبرت الأممالمتحدة عن استيائها من تهريب "حزب الله" للأسلحة من معابر يسيطر عليها سيطرة تامة كما هو الحال في وادي يحفوفا. ويذكر في هذا الإطار أن المخطط التجريبي الأوروبي لضبط الحدود الشمالية مع سورية عكس ارتياحاً، لأن الجانب اللبناني كان ينفذ الجزء الأكبر من التوصيات التي حددتها لجنة الأممالمتحدة. ويعرض النائب جان أوجاسبيان عمل حكومة الرئيس سعد الحريري من أجل ترسيم الحدود وضبطها، ويقول "تم تشكيل ثلاث لجان عملت على هذا الموضوع. وأنا شخصياً كنت مكلّفاً بمتابعة هذه الملفات، من الحدود إلى الاتفاقيات المشتركة التي تحتاج إلى تعديلات والبحث في اتفاقيات جديدة. وخلال لقاءات المسؤولين السوريين اتفقنا على إعادة العمل باتفاقية سابقة وهي تنص على أن كل بلد يؤلف لجنة مشتركة من المعنيين في الوزارات ويحضّر كل المراجع والوثائق والصور التي تتعلق بمسألة الحدود ومسألة ملكية الأراضي. والحكومة اللبنانية أنشأت هذه اللجنة وفيها ممثلون عن وزارات العدل والخارجية والدفاع والخارجية والأشغال والأجهزة الأمنية برئاسة الأمين العام لوزارة الخارجية. عقدت عدة اجتماعات وجهزت كل الوثائق والمستندات والصور المطلوبة. كما حددت التداخل الحاصل في القرى على جانبي الحدود وملكية الأراضي". لجان ولقاءات ويكشف أوجاسبيان أنه خلال لقاءاته المسؤولين تابع مرات عدة جهوزية الجانب السوري لبدء اللقاءات الثنائية بين اللجنتين، لكن في الحقيقة هذا الأمر لم يحدث والسوريون تذرعوا بداية أن اللجنة المكلفة برسم وتحديد الحدود تعمل على الحدود الأردنية، ثم فيما بعد طرحوا مسألة بدء التحديد من الشمال من العريضة ولم يكن لدينا مانع وقلنا لهم فلنبدأ من أي نقطة كانت، المهم أن تعمل هاتان اللجنتان وتبدآن اجتماعاتهما ولقاءاتهما، وهذا الأمر لم يحدث". تم تشكيل لجنة أخرى كانت تعمل على الموضوع، وقد انبثقت عن اللجنة لجنتان؛ إحداهما تعمل في منطقة البقاع، والأخرى في عكار بين محافظتي الشمال وطرطوس. وكانت مهمة هاتين اللجنتين النظر في إشكالات الملكية للأفراد. ويوضح أوجاسبيان "كانت هناك تداخلات في الأراضي وعدم وضوح للحدود، إذ إنها غير مخطَّطة وغير محدَّدة الملكية. هذه اللجنة عملت على تسوية الخلافات الشخصية لأن هناك أحياناً بعض الأراضي الموجودة في سورية ولكن ملكيتها تعود للبنانيين والعكس صحيح أيضاً. وكانت هناك أيضاً لجنة تقنية - أمنية وكانت مؤلفة من عدة وزارات ومهمتها من الناحية الأمنية وضع تصور لمراقبة الحدود البرية من العريضة وصولاً إلى شبعا. وضعنا خطة عسكرية وأمنية مشتركة للمراقبة بداية بعملية حل ما يسمى القوة المشتركة لأنه تبين لنا في هذا الموضوع أنه لم يعط النتائج المرجوة، بل فيه كثير من السلبيات واستياء من الناس. توصلنا إلى مخطط وافق عليه وزيرا الدفاع والداخلية وقيادة الجيش والأجهزة الأمنية وأيضاً عُرضت على رئيس الحكومة آنذاك سعد الحريري ووافق عليها لكنها لم تطرح على طاولة مجلس الوزراء، بعدها استقالت الحكومة. رسالة القتل وعن تفسيره لقتل المسّاح في البقاع، أكد أوجاسبيان أنها كانت رسالة واضحة بأنه لا رغبة للطرف السوري في الدخول في عملية التحديد والترسيم وحل مسألة الملكيات، وفيما بعد الإجراءات العسكرية والأمنية للمراقبة والضبط. ويضيف "الأمور انعكست في الوقت الحالي، صار الجانب السوري في حاجة إلى عملية ضبط وهو يطالب بضبط الحدود، لكنه لا يريد أن يضبطها وليست لديه مصلحة في ذلك، لأنه ليس خائفاً من الداخل اللبناني لإيواء المعارضة السورية أو لأي تحركات للمعارضة لأنه يسيطر على الداخل اللبناني أمنياً عبر حلفائه. وهذا أحد الأسباب التي جعلت المعارضة السورية ضمن الأراضي التركية أو في دول عربية أخرى وليس في الداخل اللبناني". وعما إذا كان يمكن القول إنه تم ضبط الحدود الرسمية على المعابر، يقول "اتفقنا على إدارة المعابر وقواعد العمل، اتفقنا على مخطط، الإجراءات التي أردنا اعتمادها لم تنفذ بعد". والسؤال الذي يطرح نفسه هنا ما هو المطلوب من الحكومة الحالية في مسألة المعابر؟ يجيب أوجاسبيان "المطلوب من الحكومة الحالية إقرار الخطة التي وضعناها وتوزيع المهام على المؤسسات العسكرية والأمنية وتوفير كل ما يلزم للجيش اللبناني من عديد وعتاد وآليات وتدريب وتسهيلات بمعنى البنية التحتية للقطاعات التي من المفترض التمركز فيها. ولدينا بالطبع ثقة بالجيش اللبناني وقدرته على عملية الضبط إذا تم توفير المتطلبات الضرورية". الظروف السياسية وعن كيفية توصل لبنان وسورية إلى حل كثير من الإشكالات وتهريب السلاح، يجيب أوجاسبيان "هذا الموضوع غير قابل اليوم في الظروف السياسية التي تمر بها سورية للطرح والتنفيذ. لدى النظام وحلفائه في لبنان مصلحة بترك الحدود على ما هي عليه. وبالتالي لا أعتقد أن الحكومة اللبنانية سوف تبحث هذه المسألة وتتخذ إجراءات صارمة. ولا يخفى على أحد أن هناك ضحايا لبنانيين وقعوا وأن اختراقات سورية سُجِّلت والحكومة لم تحرّك ساكناً، بل نأت بنفسها عن كل هذه الأمور لأنها لا تريد البحث في موضوع المقترحات السورية ولا البحث في مسألة مرور السلاح في الاتجاهين وتكتفي بالحديث عن "القاعدة". ويرى أوجاسبيان أن حل مشكلة الحدود يحتاج إلى قرار سياسي استراتيجي بين البلدين. ويتابع "هذا القرار غير موجود حالياً، ولبنان كان على الدوام تحت السيطرة والإدارة والهيمنة السورية، وبالتالي فإن لسورية مصلحة في إبقاء الوضع على ما هو عليه. هناك بالطبع متابعة دولية لهذا الموضوع، وهناك رغبة دولية من الأممالمتحدة وبعض الدول الأوروبية، وكانت لدي عدة لقاءات مع ممثل الأمين العام للأمم المتحدة وسفراء دول أبدت استعدادها للتمويل والتجهيز والتدريب، ولكن لم يكن في إمكاننا الدخول في أي عملية تنفيذية إجرائية للبحث مع هؤلاء في مسألة التمويل، لأننا كنا في انتظار قرار مجلس الوزراء، وبالتالي لا يمكننا الذهاب في الأمور التنفيذية ما دامت الخطة لم تقر في المجلس. واعتبر أنه في تلك المرحلة، كانت هناك صعوبة في أن تقر. هناك فريق لبناني هو فريق 8 آذار لا أعرف لأي مدى ممكن أن تكون لديه رغبة وموافقة على مسألة ضبط شامل للحدود اللبنانية – السورية لأنهم مستفيدون من الوضع الحالي". ويختم بقوله "يجب أن يتم ترسيم الحدود لأنه لا بد من إيجاد سبل العيش الكريم لأهل القرى الحدودية التي تمتد على طول 340 كلم، فهناك كثير من القرى التي لا تملك شبكة مواصلات ولا اتصالات ولا مياه ولا كهرباء. وعدد كبير من اللبنانيين يضطر إلى العبور إلى الجانب السوري لأكثر من سبب، منها الوضع الاجتماعي. الأساس هو وضع إدارة صحيحة للحدود وعملية ضبط ومراقبة، وليس العزل، بل بالعكس، من الضروري أن يستفيد أهالي المناطق الحدودية اللبنانيون والسوريون منها ويحصل بينهم تبادل". لجنة من طرف واحد بدوره، أوضح أمين عام وزارة الخارجية السابق السفير وليم حبيب أن لجنة ترسيم الحدود تم تشكيلها في لبنان ولكن الطرف السوري لم يشكل لجنته ولم تجتمع بالجانب السوري أبداً. ظلت اللجنة اللبنانية تجتمع بأعضائها فقط وقد اجتمعت أكثر من مرة وحضرت كل الالتزامات وما ينقصها وحددت المشكلات الموجودة وما هي الحدود غير المرسومة وما هي المستندات التي تدعم الموقف اللبناني في إطار عملية الترسيم. هيأنا ملفاتنا بشكل جيد وكان كلما راجع رئيس الجمهورية أو أي مسؤول لبناني بهذا الأمر كانت إجابتهم أنه عندما ننتهي من ترسيم الحدود مع الأردن نتفرغ للحدود مع لبنان لكن السوريين أنهوا ترسيم حدودهم مع الأردن من دون أن يتفرغوا لترسيم الحدود مع لبنان. وحتى كلفوا أشخاصا بالاجتماع مع المسؤولين اللبنانيين في اللجنة". ويؤكد حبيب "وعدونا بالترسيم ولم يفوا بوعودهم. والاعتقاد السائد بأن السوريين لا يريدون ترسيم الحدود وقد طلبوا البدء من شبعا، لكن في لبنان رفضنا وقلنا لنبدأ من الشمال وليس من الضرورة البدء من الجنوب طالما يريدون وضع إشكالية حول المزارع والغجر. جمعنا مختلف الوثائق والخرائط التي تؤكد الخط الحدودي اللبناني وحدود الأراضي اللبنانية الملاصقة للأراضي السورية"، معلنا عن "وجود وثائق، تعزز الموقف اللبناني، بعد السعي للحصول على وثائق جديدة لأنه لا يمكن القول إن بإمكان أي طرف الاكتفاء من جمع كل الوسائل الإثباتية، وأي وسائل جديدة تعزز موقفنا".