التقى الرئيس السوري بشار الأسد ظهر امس، رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، للمرة الثالثة خلال 48 ساعة في دمشق، وأفاد المكتب الإعلامي للحريري انه جرى «استكمال البحث في الملفات والمواضيع التي نوقشت اول من امس». وأفادت وكالة «سانا» بأن «الرئيس الأسد التقى ظهر أمس، رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري في مقر اقامته في دمشق. واستكملا محادثاتهما حيث أعربا عن ارتياحهما للخطوات التي حُققت على صعيد تطوير العلاقات بين البلدين وأكدا تصميمهما على المضي في الارتقاء بهذه العلاقات الى المستوى الذي يحقق طموحات الشعبين الشقيقين. وبُحثت سبل ترجمة الاتفاقات التي وُقعت بين سورية ولبنان لإيجاد شبكة مصالح ذات منفعة متبادلة للشعبين والبلدين». وأقام الأسد مأدبة غداء عمل على شرف الحريري ووزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو (أجرى معه محادثات بعد الحريري)، وذكرت وكالة «سانا» انه «بُحثت خلالها العلاقات بين سورية ولبنان وتركيا وسبل تعزيزها بما ينعكس إيجاباً على قضايا المنطقة وخصوصاً القضية الفلسطينية». وكان وزراء شاركوا في اجتماعات «هيئة المتابعة والتنسيق» السورية - اللبنانية وعادوا الى بيروت اول من امس علقوا على الأجواء التي سادت اجتماعات دمشق من خلال تصريحات ادلوا بها. منيمنة: زيارة تأسيسية ولفت وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة إلى أنه «منذ الاستقلال وحتى اليوم مرت العلاقات اللبنانية - السورية بمراحل متفاوتة شهدت محطات توتر بلغت أوج تأزمها في الفترة التي تلت اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وآن الأوان لتبنى العلاقات بين البلدين على أسس واضحة وصلبة تمكّن لبنان وسورية من الانطلاق نحو بناء علاقات تخدم من الوجهة الفعلية مصالح الدولتين والشعبين»، مؤكداً أنّ زيارة الرئيس الحريري والوفد الوزاري الكبير المرافق دمشق «كانت زيارة تأسيسية لإعادة بناء هذه العلاقات التي لن تصل إلى ما نصبو إليه بين ليلة وضحاها، لكونها تحتاج إلى عملية بناء حجر فوق حجر». وأوضح أن جلسة هيئة المتابعة والتنسيق «شهدت مصارحة قيل فيها كل شيء ولم يتم القفز فوق أي موضوع يهم البلدين، ولم أشعر سواءً من خلال الكلام أم حتى من خلال تعابير الأوجه بأنّ هناك أي امتعاض من طرح أي ملف على بساط البحث»، مشيراً في هذا الإطار إلى أن الوفد اللبناني «لمس أنّ الجانب السوري يسعى ايضاً إلى بناء علاقاته مع لبنان على اسس واضحة وصريحة من دولة لدولة». وإذ شدد على كون «الصراحة وقول الامور كما هي داخل الاجتماعات المشتركة مع سورية أفضل بكثير من عدم قولها بما يترك تداعيات سلبية على العلاقات الثنائية»، أكد ان «موضوع المفقودين والمعتقلين في السجون السورية تمت إثارته من منطلق كونه موضوعاً مهماً لدى اللبنانيين وينتظرون الاجابات حوله»، مشيراً في المقابل إلى أنّ «الجانب السوري أبدى تجاوباً مع هذا الملف، وبالتالي فإنه يفترض باللجنة المشتركة اللبنانية - السورية المولجة معالجته ان تكثف عملها بما يؤدي إلى نتيجة نهائية لهذا الموضوع». وشرح انه «وبالصراحة نفسها طرحت مسألة أسماء بعض اللبنانيين الموجودة على الحدود السورية، إضافة الى ملف ترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، وكان تأكيد مشترك أنّ هذا الترسيم لا يهدف على الاطلاق إلى بناء جدار بين لبنان وسورية، وإنما تطوير المناطق الحدودية وتحويلها الى نقاط جذب واستثمار». وعن اللقاء الذي جمع الوفد اللبناني مع الاسد، قال: «الرئيس الاسد كان صريحاً جداً وشدد على أهمية عدم ربط المسار الاقتصادي التنموي ببعض الخلافات في وجهات النظر السياسية التي قد تحصل أحياناً بين البلدين، داعياً في هذا المجال إلى ألا تنعكس الحساسيات الداخلية في لبنان على المشاريع التي تحقق التقدم الاقتصادي والنهوض الاجتماعي، في سبيل تفعيل العلاقات الثنائية بفعل القواسم المشتركة الكبيرة بين لبنان وسورية، الامر الذي ينعكس خيراً لمصلحة شعبي البلدين». ولفت إلى أنّ «الرئيس الاسد اكد تفهمه لسياسات الرئيس الحريري ودعمه لها على مستوى العمل الحكومي والانجازات التي تحققت حتى اليوم»، وأوضح أن «الاحاديث في خلال لقاءات الوزراء اللبنانيين مع المسؤولين السوريين وفي طليعتهم الرئيس الاسد لم تتطرق إلى الشؤون السياسية والديبلوماسية بين البلدين، وإنما مواضيع العلاقات الثنائية والمستجدات الإقليمية والدولية من الطبيعي أن يكون ترك بحثها إلى الخلوة بين الرئيسين الاسد والحريري بعد مغادرة الوفد اللبناني دمشق»، مشيراً في الوقت نفسه الى أنّ «الوزراء السوريين أكدوا خلال اجتماعاتهم مع نظرائهم اللبنانيين أنهم يتفهمون طبيعة التحديات والمشاكل والصعاب التي تواجهها الحكومة اللبنانية، مؤكدين حرصهم على تعزيز العلاقات بين البلدين بما يخدم مصالح كل منهما». نجار وملف المفقودين وقال وزير العدل إبراهيم نجار: «طرحت موضوع المفقودين مع وزير العدل السوري، كما أن رئيس الحكومة سعد الحريري طرحه في خطابه الافتتاحي». وأوضح أن «اللوائح التي أعطيت من قبل السوريين تضم أسماء لبنانيين محكومين في السجون السوريّة وليس المفقودين»، مشيراً إلى أن «الجانب السوري لا يقرّ إطلاقاً بوجود مفقودين لبنانيين على الأراضي السوريّة»، مضيفاً رداً على سؤال: «غير صحيح أن الجانب السوري اعترف بأن لديه مفقودين وعددهم 800، بل الذي طُرح هو أن الجانب السوري هو من قال إن لديه 1000 مفقود في لبنان». وأشار في هذا السياق إلى أن «طرح الموضوع يأتي في سياق تصحيح العلاقات بين لبنان وسورية». وأضاف: «اتفقنا على أن يكون هناك اتصال بين وزيري العدل اللبناني والسوري، واتخذنا قراراً أن نرفع مستوى التخاطب لنصل الى مرحلة ننهي فيها أعمال اللجنة المعنية ببحث ملف المفقودين والمعتقلين في السجون السورية، وسأدعو في القريب العاجل ممثلي المفقودين في السجون السورية وأعضاء اللجنة المشتركة اللبنانية - السورية الى وضع حدّ حاسم لهذا الملف». الصفدي: زيادة حجم التبادل التجاري ووصف وزير الاقتصاد محمد الصفدي محادثات الوفد في دمشق بأنها «أرست مفاهيم العلاقات المؤسساتية بين الدولتين اللبنانية والسورية، وشكلت منطلقاً لتطوير العلاقات الثنائية، ولا سيما في المجالات الاقتصادية، اذ إن مشاريع التعاون من شأنها أن تعود بالفائدة على الشعبين». ورأى أن «سورية ولبنان مدعوان إلى زيادة حجم التبادل التجاري وتسهيل انسياب السلع والبضائع وصولاً إلى إقامة سوق مشتركة بينهما». خليفة: مواضيع دسمة ومهمة واعتبر وزير الصحة محمد جواد خليفة ان الزيارة «كانت مهمة جداً»، وقال: «من حيث الشكل لمسنا حفاوة بالاستقبال ووداً في الكلام، الذي كان واضحاً وصريحاً بألا تعطى الأمور استفسارات أو تحليلاً سياسياً بل أن تعالج في إطارها، كانت المواضيع دسمة ومهمة، وكانت الأجواء هادئة وواقعية في التعاطي»، لافتاً الى «أنه لم يطرح أي موضوع وجوبه بالرفض بل كان ينظر الى الأمور لإيجاد حلول لها وتفعيلها بعيداً من أي تشنج». وعن الاتفاقات التي وقّعت قال خليفة: «الأهم هو تشكيل لجان لتنفيذها، وأعطيت بالأمس الكثير من الأمثلة كالعلاقة السورية - التركية التي وصلت إليها على الصعيد السياسي والاقتصادي». وعن ترسيم الحدود، قال: «إذا نظرنا إليها كمسح طوبوغرافي، فلا مشكلة، لكن الأرض التي يعيش عليها السكان والمصالح هي التي يجب أن تؤخذ في الاعتبار»، مشدداً على «ان موضوع ترسيم الحدود ليس كما يظن البعض، بل يجب أن يكون طريقة تسهل الأمور وتزيد من حجم التعامل والتكامل». أوغاسبيان: جاهزون لترسيم الحدود وقال وزير الدولة جان أوغاسبيان: «أبلغنا السوريين أننا جاهزون للبدء بترسيم الحدود والبيان الختامي تطرق الى هذا الملف إضافةً الى موضوع المفقودين». وأوضح: «بحثنا مواضيع عدة، خصوصاً موضوع المفقودين وترسيم الحدود البرية والبحرية بين البلدين، اضافة الى المعابر الحدودية الرسمية واقامة مناطق صناعية مشتركة وأسواق حرة، وأكد الجانب السوري ان اللجنة التي عملت على ترسيم الحدود وتحديدها مع الأردن هي التي ستعمل مع الجانب اللبناني في رئاسة وزير الخارجية علي الشامي»، لافتاً الى «ان الجانب اللبناني أطلع السوريين سابقاً على ان الملفات اصبحت جاهزة، والموضوع سيتابع لتحديد اول اجتماع للجنتين على ان تأخذ الامور مجراها الطبيعي». وأعلن اوغاسبيان ان رئيس الوزراء السوري محمد ناجي عطري سيزور بيروت في المرحلة المقبلة لإتمام بعض النقاط التي سبق واتفق عليها وان الطرف اللبناني وضع تصوراً شاملاً في ما يخص المعابر الحدودية الرسمية لمناقشته مع الطرف السوري للوصول الى خطة كاملة وشاملة لأنه لا يجوز ان تبقى على ما هي عليه. وعن اتفاق الامن والدفاع، أشار الى ان «هناك تعاوناً حالياً في عملية تبادل المعلومات». ورأى ان «ملف المفقودين اللبنانيين في سورية شائك ومعقد ولو كان سهلاً لكان حُل»، لافتاً الى انه «تمت إثارته وحصل توافق على رفع مستوى اللجان الموجودة لتفعيل هذا الملف». أما ملف الأسماء المطلوبة على الحدود السورية، فذكّر أوغاسبيان ب «أننا سبق وطرحنا هذا الموضوع وكان هناك تجاوب من السوريين حيال عدد كبير منها، وحذف بعض هذه الأسماء، لكن يتخوف بعض الأشخاص من هذا الأمر بسبب أحداث حصلت في الماضي». واعلن الامين العام للمجلس الاعلى اللبناني - السوري ان ما وقعه الطرفان في دمشق هو «نتيجة بحث وتعديل بعض الاتفاقات السابقة». ولفت الى ان ما طرح هو «تفعيل لجنة الدفاع والامن ووضع برنامج للانطلاق نحو تنفيذ الاتفاق الامني»، والى «ان المطلوب من لجنة الدفاع والامن ان تعقد اجتماعاً لتحديد خريطة عملها». واوضح ان المجلس الاعلى «هيئة بموجب معاهدة الاخوة والتنسيق، وما دامت هناك معاهدة هناك مجلس أعلى».