قصة السعوديين قصة لا تحدث كل في العصور، وحق لها أن تكون راسخة في التاريخ البشري العالمي، لأنه يندر أن تتكرر بهذه التحديات والصعوبات. فمنذ تأسيس المملكة العربية السعودية قبل 300 عام، عانت الدولة صلف العيش وافتقار المواطنين لوسائل الحياة الملائمة، على الأقل في ذلك الزمان، وذلك بسبب افتقار الجزيرة العربية أصلا إلى موارد الماء المستدامة، وكذلك موارد الطاقة، وهو ما أدّى إلى تراجع قوة الدولة فترات عديدة حتى إعادة توحيدها على يد الملك الموحّد عبدالعزيز، طيّب الله ثراه، حيث كانت أولى خطوات الاستقرار والتنمية هو إيجاد مصدرين للماء والطاقة قادرين على تشكيل نواة نهضة اجتماعية حضارية كبيرة تشهدها الجزيرة العربية لأول مرة في تاريخها. ولا غرو في ذلك، فالجزيرة العربية طيلة تاريخها، منذ عصور ما قبل الإسلام إلى ما قبل العهد السعودي الوارف، لم تكن مطمعا للمستعمرين ولا حتى للدول الإمبراطورية في حينها، فهي صحراء قاحلة، يسكنها بدو وقرويون عزّل بين البادية والأماكن المقدّسة، لا يعرفون التملّق، ولا يداهنون في بلاطات الدول المجاورة. ومع ذلك كان السعوديون ينظرون للواقع العالمي بنظرة مستقبلية، فيها اعتزاز كبير بانتمائهم للأرض، ومقاومتهم صلف الحياة القاهر، وتعظيمهم مكةالمكرمة والمدينة المنورة، وكان كل ما يهمّهم هو أن تستمر هذه الأرض عزيزة، وأن يبقى أهلها شامخين، لا يتبعون لأي كيان ولا يساومون على أرضهم ومقدساتهم مقابل حفنة من المال أو حظوة من النفوذ. إلاّ أن النفوذ والحظوة أبيا إلا أن يأتيا على أقدامهما، ليضعا يديهما في يد الملك الصالح عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود، فانبجست حقول النفط، هبة من الله، في مظهر لم تألفه العرب من قبل، وبنى هو وأبناؤه من بعده محطات تحلية المياه على ساحلي البحر الأحمر والخليج العربي، لتصبح السعودية أكبر دولة تقوم بتحلية المياه، وضخها كشريان نابض بالحياة إلى أصقاع شبه الجزيرة العربية، لينعم أهلها بالرخاء والنماء. لقد ارتبط النفط في كل الدول طيلة تاريخه بفترات الرخاء للبشرية، لكنه على الرغم من ذلك لم يغيّر طباع الشعب السعودي وقادته، فهم لا ينخدعون بسنين الرخاء كعادة العرب الحكماء، وهم يدركون مآلات الأمور، فكان الاستثمار المطلق لقادة السعودية خلال خطط التنمية السابقة هو «الإنسان السعودي». لقد تطوّر السعوديون، وانتقلوا من تشكيلات اجتماعية متواضعة بين القرى والبادية إلى تشكيلات اجتماعية مدنية كبيرة فيما يعرف ب«المدن المليونية»، وأصبح الناتج الفردي للمواطن السعودي من أعلى معدلات الناتج عالميا خلال أقل من 70 عاما في سابقة تاريخية، شملت نهضة شعب واقتصاد، وعملا جبارا، لإنشاء البنى التحتية من أجل هذا الإنسان الذي كان قبل تلك السنين يتنقل بالجمال والخيل، ويعاني الجوع والعطش. ولأن خطط التنمية نجحت في بناء الإنسان السعودي وتعليمه، وتعزيز جودة حياته وفكره وأمنه، فقد آن الوقت لأن يقفز هذا الإنسان من مرحلة استخدام النفط من أجل السير مع العالم إلى مرحلة التقدم وقيادة العالم في مجالات العلوم والتقنية والابتكار والطب والهندسة والطاقة النظيفة والموارد المائية المستدامة، وليصبح الاقتصاد السعودي كبيرا وذا قدرة وتأثير واستقلالية عالية نابعة من فكر السعوديين، واعتزازهم بالنفس والاستقلال. لقد كان السعوديون أحوج ما يكونون لقائد عصري يشع بالطاقة والانطلاق، للسير بهم قدما نحو الريادة، وكانت هذه رؤية ملوكنا العظام، حيث كانت كلمة الملك عبدالله بن عبدالعزيز لسمو الأمير محمد بن سلمان عند أدائه القسم إشارة البشرى بحكم أرضه وقيادة وطنه وشعبه نحو تلك الرؤية السعودية، التي نجحت حتى الآن في زيادة المصادر الاقتصادية غير النفطية إلى أكثر من 35% في سابقة تاريخية، واستطاعت إطلاق طاقات الحياة لدى المواطنات السعوديات، وتعظيم دور المرأة والشباب، وتوطين الوظائف في قطاعات كان يندر وجود السعوديين فيها. كما خفضت نسبة البطالة، وعالجت بشكل ملحوظ مشكلات الإسكان، وأسست لصناعات عسكرية، وأخرى تقنية جديدة لم تكن يوما في خلد المواطن السعودي، وهو ما حدا بصندوق النقد الدولي، الأسبوع الماضي، بتوقع نمو الاقتصاد السعودي منفردا بمعدل %8 على الرغم من توقعه تراجع إجمالي نمو الاقتصاد العالمي -%3.5. لقد أثبتت رؤية الأمير محمد بن سلمان أنها رؤية نهضة شاملة، وليست محددة بإطارها الزمني، واليوم ونحن نجني بعض ثمارها على الرغم من هزّات جائحة «كورونا» غير المتوقعة، تحلّ علينا ذكرى بيعته الميمونة، والسعوديون في وضع متقدم عالميا نحو استخدام بدائل الطاقة المتجددة، وخفض الاعتماد على النفط، وقيادة اقتصاد سعودي حيوي وقوي وغني بالبدائل. هكذا حققت وتحقق رؤية الأمير محمد بن سلمان نجاحات معنوية أهم من تلك الاقتصادية للسعوديين، فالسعودية الآن هي محط أنظار العالم في دفع الاستقرار الإقليمي، ومكافحة الإرهاب الميليشياوي في الشرق الأوسط، وصانعة القرار الاقتصادي العالمي في فترة قيّض الله لها قائدا عظيما اسمه الملك سلمان، وابنه الفارس المتوثب محمد بن سلمان، وشعب طويق الجبار والعظيم. هذه القصة تكفي لأن تخلد في التاريخ، فما أسعدنا بالملك سلمان وولي عهده وشعبهما النبيل.