نحن شعوب بالفعل تفتقر إلى الذكاء العاطفي، وربما غيابه هو سبب أغلب مشاكل حياتنا. قد يعرف الجميع معنى الذكاء ومعنى العاطفة لكني لاحظت أن الكثيرين لا يعرفون المعنى الحقيقي لمصطلح الذكاء العاطفي. الذكاء العاطفي هو قدرة الشخص على فهم مشاعره وما يمر به من عواطف واضطرابات والقدرة على التعامل معها، وليس فقط هذا بل أيضا قدرته على الإدراك والتعامل مع مشاعر وسلوكيات الآخرين. فتفهمك لمشاعر وسلوكيات غيرك قد يغير أيضا من مشاعرك وسلوكياتك، وهنا يكمن أساس المشكلة التي نواجهها كمجتمعات لا تستطيع أن تفهم ما يدور بداخلها لتفهم ما قد يشعر به سواها، فتنتج لدينا أغلب المشاكل الزوجية، الأسرية والاجتماعية. في الكثير من النقاشات ألاحظ أحيانا تعصب الطرف الآخر لرأي ما دون مبرر، وحين أفكر في الأسباب الحقيقية الكامنة وراء ذلك أجد أنه إما أن الطرف الآخر غير مقتنع بشكل كامل برأيه فيتعامل معك على أنك عقله الباطن الذي يحاول إقناعه بفكرة ما بالجدال والصراخ إن لزم الأمر، ويحاول منعه حتى من طرح الأسئلة والاستماع لغيره لتقبل رأي آخر ربما قد يكون أكثر صوابا، أو أن هذا الطرف يتحدث حول شيء قد يكرهه هو في نفسه فيحاول إنكاره بشدة وبطريقة شرسة، وفي جميع الأحوال فإنك لست المقصود بمخرجاته السلبية في الحوار. استمعت ذات مرة إلى مقطع جميل على اليوتيوب بعنوان: علاقة الإنسان بنفسه لهالة كاظم وهي مدربة ثقافة حياتية، كانت تتحدث فيه عن علاقة الإنسان المسيء للآخرين بنفسه والذي قد يجعلك تتعاطف معه بدلا من أن تتأثر تأثرا سلبيا بتصرفاته، فعلى حد قولها إنه إذا أدركت أن التصرف السيئ لشخص ما تجاهك أو حديثه السلبي لك ما هو إلا عبارة عن علاقته السيئة بنفسه التي تسبب له ضغوطا نفسية، والتي يحاول تفريغها على غيره، فمن يتحدث عنك بالسوء هو شخص يعاني داخليا من عقدة نقص أو نظرة سلبية لنفسه، وتفهمك لذلك يجعلك تتعاطف معه ولا تأخذ كلامه أو سلوكه السلبي بعين الاعتبار. وهنا يظهر التأثير القوي للذكاء العاطفي لدى الفرد، فالأشخاص الذين يتميزون بذكاء عاطفي قوي تتكون بالتالي لديهم شخصية قوية فلا يمكن التأثير عليهم بشكل سلبي بسهولة، وفي نفس الوقت هم يدركون كيف يتعاطفون مع ذواتهم حين يمرون بضغوط أو ظروف قاسية، ويستطيعون الخروج من الأزمات النفسية والتشافي بشكل أسرع من غيرهم. لذا أرى أن غياب مفهوم الذكاء العاطفي عن مجتمعنا هو سبب رئيسي لمعظم المشكلات الاجتماعية والنفسية والتي لو أدركنا ما يجب علينا تجاه أنفسنا أولا ثم اتجاه الآخرين لأوجدنا لها الحلول، وربما لما وجدت في حياتنا من الأساس.