إن النفوس في شهر رمضان تقترب من مولاها، وتنبعث إلى ما يطهرها من شحها فأطيبها أزكاها، (قد أفلح من زكاها وقد خاب من دسَّاها) وقال تعالى: (ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون). وقال ابن عباس رضي الله عنهما كما ورد في الصحيحين: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل في كل ليلة فيدارسه القرآن، فلرسول الله أجود بالخير من الريح المرسلة". أيها الصائمون الكرام إن للصدفة والسخاء والبذل فضائل لا تحصى، وأجوراً لا تستقصى، فالصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء وتدل على الإيمان بالله والثقة به وإحسان الظن به عز وجل، والصدقة دليل على الرحمة والشعور بمعاناة الآخرين، كما أنها سبب لتيسير الأمور وتفريج الكروب، والله سبحانه في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه. والصدقة مدعاة لزيادة المال ونزول الخيرات وحلول البركات، وسبب للاستظلال في ظل عرش الرحمن يوم لا ظل إلا ظله، كما أن لها تأثيراً في دفع البلايا وانشراح الصدور كما قال ابن القيّم رحمه الله: "المتصدق كلما تصدق بصدقة انشرح لها قلبه وانفسح لها صدره وقوي فرحه وعظم سروره". ومن فضائل الصدقة أنها سبب للخلف من الله تعالى وزيادة البركة للمتصدق كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "ما من يوم يصبح فيه العباد إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفاً ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفاً". والسخيُّ قريب من الله ومن خلق الله ومن الجنة وأما البخيل بعكس ذلك وللسخاء أثر في القضاء على كثير من الصفات المرذولة كالحسد والكبر، وللسخاء أثر في ستر العيوب كما قال الإمام الشافعي رحمه الله: وإن كثرت عيوبك في البرايا وسرَّك أن يكون لها غطاءُ تستَّر بالسخاء فكل عيب يغطيه كما قيل السخاءُ ولا يقتصر السخاء على بذل المال بل إن مفهومه أوسع وأشمل، فمن صور السخاء السعي في قضاء حاجات المحتاجين وتفريج كرباتهم كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "أفضل الأعمال سرور تدخله على قلب أخيك المسلم". وقال الشافعيَّ أيضا رحمه الله: وأفضل الناس ما بين الورى رجلٌ تقضى على يده للناس حاجاتُ ومن صور السخاء بذل الجاه في الشفاعات الحسنة لإحقاق حق ونصرة مظلوم وإعانة ضعيف كما قال الله تعالى: "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها". وقال النبي عليه الصلاة والسلام: "اشفعوا تؤجروا". ومن صور السخاء التسامح وسلامة الصدر وراحة القلب والبشاشة وتحمل الأذى من الناس والصبر عليهم والعفو عن أخطائهم، وهذا هو الذي يبلغ بصاحبه درجة الصائم القائم كما أخبر بذلك من لا ينطق عن الهوى. وختاماً فإن الناس يتفاضلون بالسخاء على قدر تقواهم لله تعالى وشرف نفوسهم. فاللهم قنا شح أنفسنا، وتقبل صيامنا، واجعلنا عندك من الفائزين بمغفرتك وعفوك ورضوانك في هذا الشهر الكريم وفي كل وقت وحين.