تحدثنا في مقالة سابقة عن جود النبي - صلى الله عليه وسلم - وانه من أجود الناس وانه أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل فيلقاه كل ليلة فيدارسه القرآن، فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - أجود من الريح المرسلة، تحدثنا عن جوده وعن صور من جوده - عليه الصلاة والسلام - مما جاء في كتب السنة. وفي هذه المقالة سنتحدث عن الجانب التربوي في جوده - عليه الصلاة والسلام - في رمضان وكيف يكون للمسلم أسوة وكيف يكون له قدوة بالنبي الكريم - صلوات الله وسلامه عليه - وتمهيدا لذلك نقول: لما كان من فوائد الصيام تطهير النفس وتهذيبها وتزكيتها من الأخلاق السيئة والصفات الذميمة ومنها البخل، كان لزاما علينا تعويد أنفسنا الكرم والجود ومجاهدة النفس على ذلك، فقد اشتق الله اسماً من أسمائه الحسنى وهو الجواد، اشتقه من الجود فالله جواد يحب الله الجود ويحب مكارم الأخلاق، وكما أن جود الله - سبحانه وتعالى - يزداد علينا في رمضان ونحب منه ذلك ونطلبه، فإن جود النبي - صلى الله عليه وسلم - يزداد في رمضان، لذا ينبغي لنا أن نزداد في البذل والعطاء في رمضان حبا لله وتأسيا بخير الصائمين. فجودك أخي الكريم في رمضان ستجد جزاءه من ربك الجواد الكريم، فاحرص أخي الصائم أختي الصائمة على تفطير الصائمين فقد قال - صلى الله عليه وسلم - : (من فطر صائماً فله مثل أجره من غير أن ينقص من أجر الصائم شيء)، فعلينا تطهير أنفسنا من البخل والشح فلا خير فيهما قال - صلى الله عليه وسلم -: (ما من يوم يصبح العِباد فيه إلا وملكان ينزلان فيقول أحدهما اللهم أعط منفقاً خلفا ويقول الآخر اللهم أعط ممسكاً تلفا). وإذا نظر المسلم يمنة ويسرة وجد هناك فئات من المجتمع الإسلامي تحتاج إلى المساعدة لضيق ذات اليد، لذا ينبغي علينا كثرة البذل والعطاء في هذا الشهر الكريم شهر الجود والعطاء ونتفقد أصحاب الحاجات والمتعففين حتى نكفيهم ذل السؤال, فيكون لنا مثل أجرهم لا ينقص من أجورهم شيئا قال الشافعي - رحمه الله -: أحب للرجل زيادة الجود في شهر رمضان اقتداء بالرسول - صلى الله عليه وسلم - لحاجة الناس فيه إلى مصالحهم وانشغال كثير منهم بالصوم والصلاة عن مكاسبهم، فينبغي للإنسان أن يتأسى بنبيه - صلى الله عليه وسلم - ويتصدق بما يقدر عليه ليواسي الفقراء وأهل الحاجة فإن الله كريم يحب الكريم من عباده، جواد يحب أهل الجود، والبخل لا يزيد في الرزق، فالبخيل بعيد من الله بعيد من خلقه بعيد من الجنة قريب من النار، والسخي قريب من الله قريب من خلقه قريب من الجنة بعيد من النار، فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أوليائه. ولعل سائلاً يسأل عن تقطير الصائمين وهل هو نوع من أنواع الجود في رمضان للجواب عن ذلك يقال: نعم، إن تفطير الصائمين هو نوع من أنواع الجود في رمضان، عن زيد بن خالد الجهني - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: (من فطّر صائماً كان له مثل أجره). وقد جاء أيضاً من حديث سلمان الفارسي - رضي الله عنه - (من فطر صائماً كان له فيه مغفرة لذنوبه إلى أن قال قلنا يا رسول الله ليس كلنا يجد ما يفطر به الصائم فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يعطي الله هذا الثواب من فطر صائماً على مذقة لبن أو تمرة أو شرب من ماء ومن أشبع صائما سقاه الله من حوضي شربه لا يظمأ بعدها حتى يدخل الجنة) رواه البيهقي وغيره. ولقد كان من هدي خير الصائمين - عليه الصلاة والسلام - كان يحض على تفطير الصائمين ويرغب فيه حيث جاء في السنن أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - قال: (من فطر صائما كان له مثل أجره غير أنه لا ينقص من أجر الصائم شيئا). وعن أنس - رضي الله عنه - أن النبي - صلى الله عليه وسلم - جاء إلى سعد بن عبادة - رضي الله عنه - فجاء بخبز وزيت فأكل ثم قال النبي - صلى الله عليه وسلم - (أفطر عندكم الصائمون وأكل طعامكم الأبرار وصلت عليكم الملائكة). ولا شك أن الأجر المترتب على تفطير الصائم دافع للحرص عليه، فبإمكانك أن يكون لك أجر عدة شهور وليس أجر صيام شهر واحد وما ذلك إلا لتفطير الصائمين. وإن المرء ليتذكر إخوانه المسلمين الذين لا يجدون ما يفطرون عليه، فتأخذه بذلك رأفة ورحمة بإخوانه المسلمين. وإن البذل والعطاء في رمضان وخاصة في تفطير الصائمين مشاهد وملموس في طول العالم الإسلامي وعرضه، ولكن الذي لا ينبغي أن يكون هو السرف والإكثار في ذلك من جهة كونه أن يكون هناك زيادة على الحاجة في المأكل والمشرب في تفطير الصائمين، مما قد ينتج عن إسراف أو ينتج عنه تبذير وما ذلك إلا بحسن نية. وعلى المؤمن أن يتحرز من أن يكون هناك إسراف في نعم الله تبارك وتعالى ولاسيما أن هناك فقراء لا يسألون الناس إلحافا، وبإمكان المسلم أن يفطر الصائمين على ما تيسر من شربة ماء أو لبن أو تمر أو نحو ذلك مما يجده. وإنه لتوجد في واقع الناس أحيانا مبالغة في موائد الإفطار التي تقدم وما ذلك إلا بحسن نية ومن كرم الذين يبتغون الأجر، ولكن إذا قنن ذلك أعطي الناس الحاجة التي تكفيهم حتى لا يتحول الأمر إلى سرف ولا إلى مخيلة ويستفاد منه في الأماكن المحتاجة فبدلا من أن يفطر بهذه الكمية مائة فقد تكفي مائتين فيتضاعف له الأجر, وفي ذلك أيضاً بشارة لمن قدر عليه رزقه انه يستطيع أن يكسب الأجر بأقل جهد «. أذكر نفسي وإخواني الصائمين بمراعاة شعور الناس عند الإحسان إليهم, واذكر إخواني القائمين على المساعدات بأن ينتهجوا الأسلوب الأمثل، بارك الله لأهل الأموال في أموالهم ولأهل الجهد في جهدهم ولكل موصل للإحسان لأهل الإحسان. (*)رئيس محاكم منطقة جازان