إنشاء أول شبكة إنترنت كان بغرض ضمان سرية وسرعة الاتصالات بين مراكز البحوث الأمريكية في حال قيام الخصم السوفيتي - آنذاك - بضربة نووية مفاجئة، وتمت هذه الخطوه تقريبا في نهاية الستينيات، ولم يكن أحد يتوقع أنها الخطوة الأولي لبداية ثقافة جديدة ستهدي العالم ما يعرف ب«الإنترنت»، وستؤدي لثقافة عالمية يسودها السلام الشامل والدائم، ولكن لا بد لنا من وقفة قصيرة، ننظر خلالها إلي التطور التكنولوجي الهائل. لقد شهدت البشرية علي مر العصور سلسلة متصلة من الثورات العلمية والتكنولوجية، يحدوها الأمل في كل جولة إلى مزيد من الاستنارة والرفاهية والعدالة، وكم هي عسيرة المنال تلك الآمال التي سنظل نطاردها، فها هي البشرية تجر وراءها تاريخا مليئا بتجارب النجاح والفشل والبناء والدمار والازدهار والانحدار. ها هي تواجه برصيدها التاريخي هذا أكثر معاركها الحضارية ضراوة، ألا وهى معركة الانتقال إلى مجتمع المعلومات. لقد ولى إلى الأبد زمن التقدم التدريجي المنتظم، ذي الطابع الخطي المستمر، بعد عملية التحول المجتمعي بفعل التكنولوجيا الحديثة عموما، وتكنولوجيا المعلومات بصفة خاصة. سلسلة من النقلات أو القفزات النوعية الحادة ذات الطابع المتقطع التي يصعب التكهن بقادمها استنادا إلى سابقها، لذا وجب علينا في مرحلة مجتمع المعلومات أن نكون علي حذر ووعي تام بما سوف ينجم وتتمخض عنه هذه المرحلة، وأعني بقولي هذا أن الإنترنت سيكون له أثره الواضح في كيفية القيام بالأعمال ومتابعتها، ومن ثم المهارات اللازمة لتأديتها. ولا شك أيضا أن ثورة الإنترنت ستؤدي إلى ظهور نوعيات جديدة من الوظائف أبعد ما تكون عن تلك التي أفرزتها التكنولوجيا الصناعية، ولكنها في الوقت نفسه ستمحو من الوجود كثيرا من الأعمال التقليدية، وسوف تتناقص فرص العمل يوما بعد يوم، ولن تنعم بفرصة العمل إلا النخبة القادرة، وستعاني مجتمعاتنا نوعا جديدا من البطالة، ولن يفلت من هذه البطالة الجديدة أحد، سواء في قطاعات الإنتاج أو الخدمات، متعلمين وغير متعلمين. وأخيرا.. علي الإنسان أن يواجه قدره وما فعلته به صنيعته.