حمَلَ المسكينةَ على النقَّالة، وأقفل راجعا بها إلى المركز الذي أخرجها منه قبل سويعات، أدخلها على عَجَل، ودقات قلبه في تسارعٍ من الخوف والوَجَل، وبعد الفحص الدقيق جاء السؤال: طمئني، كيف هي الحال؟ أخبرني أنت أولاً، ما الذي حصل، وأي شيءٍ خلف هذا المصاب الجلل؟ سقطتْ في حفرةٍ وَسَطَ الطريق، عجِّل عليَّ بتقريرك، فقد أصابني الضيق. يؤسفني أن أخبرك بأنها ستحتاج إلى جراحة، وستبقى هنا بعضا من الوقت للراحة، هناك اشتباهٌ في حدوث ارتجاج، وكسرٌ في الذراع، وربما أصاب شيئًا من بقية الأطراف اعوجاج، ولا يخفى عليك - وأنت الخبير - ما لهذه الكدمات الظاهرة على وجهها من تأثير، وبالتالي فإن العلاج سيكلف كثيرا. ترفَّق بي يا رجل، فما غادرتكم إلا قبل قليلٍ من الوقت، وما كنت من هول المصاب الأول قد أفقت. صدقني لو باليد حيلة، ما قطعت على الوُدِّ سبيله. أشاح صاحبنا بوجهه، يتأمل ما امتلأ به المكان من ضحايا كُثُر، وأشلاءٍ، وحطامٍ في أرجاء المكان منتثر، وراح ينْفُثُ الزَّفَرَات في شرود، ويفكر خارج نطاق المكان المحدود. كسورٌ تمتد بطول الأشفار، وحفرٌ تجتاح كل مسار، ومطبَّاتٌ تعاني سوء التصميم والإكثار، وعن الجسور والأنفاق حدِّث بلا حرج، تمرُّ من خلالها المركبة وكأنما هي شخصٌ يعاني من عرَج، أو لنقل أنها من شدة النطِّ والقفز، كخصر راقصةٍ تمايل واهتز، حتى على مستوى مدننا العملاقة، التي يفترض أن تكون واجهةً برَّاقة، أو الخطوط الدولية، فسادٌ في الطرقات يفتقر إلى المسؤولية، ويتبادرُ للذهن أمام كل ذلك تعجُّبٌ، ثم سؤال، أما التعجُّب فلأن حكومتنا - أعزها الله - لم تألُ جهدًا في التحسين، بل هي على موعدٍ مع رؤيةٍ طموح، أوشكت ساعة تحققها أن تحين، ونهضةٍ عملاقةٍ، أساسها متين، وسواعد بُناتِها لا تكِلُّ ولا تلين، ومع هذا نجدُ الخلل، ويحصل الزلل! وأما السؤال: فمن الذي يجب أن يحاسب على ترك تلك الفخاخ؟! ومن المتهم بسرقة البيض قبل أن تخرج الفِراخ؟!