يكاد يتفق الجميع في هذه الأيام أن ما بعد فيروس كورونا ليس كما قبله! لا سيما بعد ما بدأ فعليًا هذا الكائن المجهري بتغيير بعض مناحي الحياة اليومية التي نعرفها واعتدنا عليها طوال السنوات الماضية. هنا، ليس المقصود هي التغيّرات الكبرى التي دائمًا ما يتحدثون عنها في مجاليّ السياسة والاقتصاد على أهميتها، بقدر ما المقصود هي تلك التي أخذت بالتشكل على المستوى الثقافي والسلوكي للفرد والمجتمع على حدٍ سواء، وبإمكان الجميع ملاحظتها وملامستها على أرض الواقع اليومي، ومن دون الحاجة لاستخدام المجهر. وبنظرة سريعة كمواطنٍ بسيط، فإنني أستطيع القول: إن فيروس كورونا الجديد قد حملنا على تجاوز وتقليص كثير من العادات والممارسات الشكلية الاجتماعية، وغيّر من الطريقة التي كانت تقام بها، بحيث أصبحت الآن أقل تكلفة وأكثر حفظًا للصحة، خصوصا في مراسم العزاء، وحفلات الزواج، والتجمعات، وغيرها من المناسبات المستمرة، المكلفة جدا في كثير من المجتمعات، والتي لولا ما حدث، لكانت بحاجة ربما إلى وقت غير معلوم؛ لكي يطالها التغيير. وليس ذلك فقط، بل إن ما تم من إجراءات وقائية، دفعت كثيرا منا للانفتاح على فضاءات مختلفة غير تقليدية، من أجل تزجية الوقت، وقضاء فترة أطول في المنزل، بدل الدوران في حلقة مفرغة. لقد أظهر ذلك لنا أن كثيراً من العادات والممارسات قابلة للتغيير والتأجيل والإلغاء، حتى تلك التي كان لها في الأذهان طابع الدوام، وصارت معيارا طبقيا لتقييم مستوى الآخرين، فقد تبين فعلا أنها مقابل العافية مجرد شكليات ليس إلا. ذلك، وما بدا على غالبية أفراد المجتمع من قدرة مدهشة على التكيف والمرونة في سرعة الاستغناء عنها تجاوبا مع التوجيهات الرسمية، لهو بلا شكٍ، درس حي في قابلية المجتمع للتغيير السريع، وأنه بالإمكان تنحِية المزاعم التي تدّعي غير ذلك. وأخيرا، يجب علينا المضي بالجانب الإيجابي من تلك التغييرات إلى الأمام، وبغض النظر عما لها الآن ربما من طابعٍ مؤقت، وأن الجميع يشعر أنها ممارسات آنية للوقت الحاضر فقط، إلا أن أثرها الإيجابي المنعكس على الجميع، سوف يبعث الدافع الكافي مع الوقت، ويرسخ الرغبة الموجودة أصلا، لكي يتم إحلالها عوضا عما سبقها، والتمسك بها كعادة دائمة.