في وقت ساد فيه الحياء كخلق يبعث على فعل كل مليح وترك كل قبيح، وكسمة تمنع الفتيات من إبداء رغباتهن لأهلهن بالزواج، وجدت الفتيات في وقت مضى بعض الأساليب التي توصل رغباتهن تلميحاً لذويهن، دون أن يضطررن للتصريح المخجل. تقول الخبيرة بالتقاليد الاجتماعية القديمة نجاة حريري ل»الوطن»: «حين كانت الفتاة تصل إلى سن الزواج، وهو في الأوقات التي نتحدث عنها نحو 12 عاماً من عمرها، فإنها كانت تلمح لأهلها إذا ما رغبت بالزواج عن طريق بعض الأمور، دون أن تضطر إلى اللجوء للتصريح اللفظي، فكانت على سبيل المثال تكحّل عينيها، أو تمضغ علكة، وحينئذ يدرك ذووها رغبتها في الزواج». الحياء يعد الحياء من الصفات المحمودة، وفي الحديث «إن لكل دين خُلقًا، وخُلُقُ الإسلام الحياء»، وقد أمر الشرع بالتخلق به وحث عليه، بل جعله من الإيمان، ففي الحديث «الحياء والإيمان قرنا جميعا، فإذا رفع أحدهما رفع الآخر». ومن هنا كان اللجوء إلى بعض الإشارات أو التلميحات محمودا في إبداء الرغبة بالزواج من قبل الفتاة، يجنبها حرج التصريح. وفي وقت تؤكد كثيرات أن الفتاة لم تكن تستشار كثيراً في مسألة قبولها بهذا الخاطب أو ذاك، إلا أنه تبقى للزواج في مكةالمكرمة عاداته وتقاليده الخاصة التي تكاد تتشابه مع عادات وتقاليد أخرى في مناطق عدة من الوطن العربي. الخطبة أوضحت حريري «قديما، كانت السيدات والجارات يرتبطن ببعضهن بعلاقات وطيدة، بحكم القرابة أو بحكم كونهن في حارة واحدة، وعند حضور إحداهن إلى منزل أخرى بقصد الخطبة، فإنها كانت تحضر بشكل اعتيادي وكأنها في زيارة عادية لاحتساء الشاي أو القهوة أو غيرها.. وكانت السيدة الراغبة بالخطبة تجلس مع أهل المنزل - دون أن تخرج الفتاة المطلوبة أو تراها». تتابع «كان للراغبات بالخطبة حركاتهن التقييمية، وأهمها تقييم مدى نظافة أصحاب المنزل، ولذا كانت تتذرع برغبتها في الذهاب إلى دورة المياه، وفي طريقها تلقي نظرة خاطفة على المطبخ، ومن نظافة المطبخ ودورة المياه تحكم على نظافة أهل المنزل». تكمل «بعد هذه الزيارة بنحو أسبوع، تطلب الراغبة بالخطبة القدوم مرة أخرى، وتقول لصاحبة المنزل، إن هدفها من الزيارة هو الرغبة في رؤية ابنتها بهدف خطبتها لابن فلان من الناس، سواء ابنها أو ابن جارتها أو غيرهما». تشير حريري إلى مواصفات ومقاييس الجمال في ذلك الوقت، إذ كانت تركز على امتلاء جسد الفتاة، ولم يكن يسمح في ذلك الوقت بما اعتاده الناس أخيراً من السماح بالنظرة الشرعية للرجل، إذا لا يرى الزوج زوجته إلا يوم الزفاف. وتكمل «بعد أن يتم الاتفاق بين طالبة الخطبة ووالدة الفتاة، يتم ما يسمى تقديم الرجال، وحينئذ تتم الخطبة بشكل رسمي». غياب الاستشارة تؤكد حريري أن معظم الأسر لم تكن تستشير البنات في أمر قبولهن الخطيب من عدمه، وتوضح «لم تكن الفتاة تُسأل عن رأيها بالزواج من هذا الخطاب أو ذاك، فالأمر عائد كليا للجدة أم الأب وللأب، حتى أن بعض الأسر لم تكن تستشير والدة الفتاة من الأساس، فالسلطة في هذا الأمر بيد أم الوالد كونهم يقطنون معها على الأغلب، فيقوم الأب بالتشاور مع والدته وإخوته في مسألة العريس المتقدم ويتم اتخاذ القرار بناء على هذا التشاور». عقد القران والزواج توضح حريري أن والد العريس يقدم المهر لوالد العروس في صندوق فضة، فيه 3 ريالات ذهب، أو ما يسمى «الجنيهات الذهب» و20 ريالا من الفضة «جنيهات فضة». يأتي أهل العريس بعد ذلك يوم الملكة «عقد القران» ويحملون عددا من المعاشر «صينية من النحاس بداخلها حلوى تقليدية مثل اللبنية واللدو مزينة بطريقة معينة»، وعدد المعاشر يحدد الحالة المادية لأهل العريس في ذلك الحين، والبعض يأتي بالجسّيس «شخص يؤدي مواويل بطريقة معينة في هذه المناسبات». لا شراء للعباءة تقول حريري: «بعد أن يتم تحديد موعد الزواج تبدأ والدة العروس أو قريبتها أو جارتها بالبدء بخياطة ملابسها ومفارش السرير أو ما يسمى «الدبش» ولا يحتوي على العباءة نهائيا، لأن العُرف حينها أن الفتاة تخرج من بيت أهلها لبيت زوجها، وهو من يقرر متى تخرج، ويشتري لها العباءة». تابعت «قبل الزفاف بثلاثة أيام يقام حفل الغمرة أو ليلة الحنا، وترتدي فيها العروس اللون الوردي، وفي يوم الزواج يبدأ الحفل من الظهيرة، حيث تأتي «المقيّنة» وهي السيدة التي تقوم بتزيين الفتاة، وبعدها تذهب الفتاة لبيت زوجها مع واحدة من أهلها أو المقينة». وفي اليوم الثاني للزفاف وهو ما يسمى «الصبحة» تقوم أم العريس بإهداء العروس فستانا ورديا، ويقام لها غداء، ويأتي أهلها بالأطقم الذهب سواء الأعمام والعمات والخالات والأخوال، كما يقوم أهل العريس أيضا بإهدائها أطقم ذهب. الحضيّرة توضح سيدة الأعمال، المهتمة بالتراث والأزياء في المملكة كاملة عابد أن العروس قديما كانت لا تستطيع الخروج مباشرة بعد زفافها، وعند خروجها لأول مرة تنظم والدتها حفلة تسمى «البداية أو البدّاية»، وتعني بداية خروج العروس من منزل زوجها. تشير عابد إلى أنه «ترتدي العروس في البداية فستانا خاصا تمت خياطته لهذه المناسبة، ويكون بلون آخر غير الأبيض كاللون المشمشي أو الوردي». تتابع «بعد هذا الحفل تستطيع الفتاة الخروج، فيمكنها مثلا حضور حفل زفاف أو عقد قران لأحد الأقارب أو لصديقاتها أو أهل زوجها، وحينئذ تحضر وهي ترتدي فستان زفافها «الأبيض» ويكون معها وفد من أهلها وصديقاتها، وقبل زفة العروس الأساسية يتم زفّ الحضّيرة وتجلس على المنصة». أكدت عابد أن ذلك يكون بعلم أهل الزفاف لأن الحضيرة ضيفة مهمة، خصوصاً أن خروج العروس قديما ولأول مرة من منزل زوجها لا يكون بسهولة، أو كما يقال «خرجتها عزيزة» ولا تذهب لأي أحد، وكل الحضور يعلم من تكون، وقبل أن يتم زف العروس الأساسية تنزل الحضيرة من المنصة أو ما تسمى «الكوشة» وتفسح المجال للعروس الأساسية». تضحك عابد وهي تعلق «هذه العادة اندثرت الآن، وللأسف.. فأغلب العرائس يخرجن مع أزواجهن من اليوم الثاني للزواج، وقد تجدهن في أي مكان». الرفدة مارست العوائل المكية والحجازية عموماً، مثلها مثل بقية الأحوال في مناطق المملكة المختلفة ما يسمى الرفدة أو «الرفودة» وهو شكل من أشكال التكافل الاجتماعي، حيث يبادر إليها الأقارب والأصدقاء والجيران لمشاركة العريس فرحته وتحمل بعض الأعباء عنه، فكان أحدهم يقدم إيجار الكوشة والكراسي، والآخر نفقات المنشد وضاربي الدفوف، ويقدم آخرون أكياس الأرز والسكر والشاي، بينما يقدم غيرهم مبالغ نقدية وغيرها. ومع تغير الأحوال الاقتصادية بدأت هذه العادات تتأثر وتختفي كلياً أو جزئياً، لكن آخرين ما يزالون مصرين على التمسك بها، كتعبير عن مشاركتهم العريس فرحه. الحوار المفتوح مع الإقرار بجمال وخصوصية عادات الزواج، ترى المستشارة الأسرية والتربوية الدكتورة نادية نصير أن مسألة استشارة الفتاة في الزواج، وحتى طريقة تعبيرها عن رغبتها في الزواج، وما يصاحب هذا التعبير من حياء في الغالب من قبل الفتيات، كان وما يزال يعتمد على الأسرة أولاً، وتقول: «في التربية التي تشتمل على وجود الحوار المفتوح أو «الديموقراطية» بين الوالدين والأبناء نجد أن الفتاة يسهل عليها إذا نشأت في مثل هذا الجو التربوي أن تعبر لوالدتها أنها مستعدة حاليا للزواج أو ليس لديها مانع في استقبال العرسان، كما تستطيع الرفض إذا لم تقتنع بمن يتقدم لها، في المقابل نجد بعض الأسر لا يكون لرأي الفتاة أهمية كبيرة فنجدها دائما خجولة وتعيش في ضغط، وهذا للأسف ما كان سائداً في الغالب في الماضي». تسلط تؤكد نصير أن الأمر حاليا اختلف كليا عما كان عليه في الماضي، وقالت: «تستطيع الفتاة اليوم الإطلاع والقراءة، وهذا يؤدي إلى تطور شخصيتها بشكل إيجابي، ويؤثر كذلك في وعيها، وبالتالي تستطيع التحدث أو المبادرة في الحديث مع والدتها، وحتى لو كان الوالد ممن يتمسكون بآرائهم ولا يسمحون كثيراً بنقاشهم فيمكن للفتاة المتعلمة أن تجد وسيلة للحوار والإقناع سواء معه أو مع والدتها». 01 تكحيل العين 02 مضغ العلكة مقدار المهر صندوق فضة، فيه: 3 ريالات ذهب، أو ما يسمى «الجنيهات الذهب» 20 ريالا من الفضة «جنيهات فضة». طقوس وأدوات البداية أول خروج للعروس من بيت زوجها الحضيرة العروس حين تحضر أول مناسبة زفاف لقريبة أو صديقة المعشر صينية من النحاس بداخلها حلوى تقليدية مثل اللبنية واللدو مزينة بطريقة معينة يقدمها أهل العريس يوم الملكة وسائل الفتيات للتلميح بالرغبة في الزواج