تختلف عادات وتقاليد الزواج من منطقة لأخرى في المملكة، إلا أنها تصب بالمجمل في محطات استنزاف لقدرات الشاب المالية، وإرباك مستقبله، بالأقساط والديون، واستمرار هذه العادات لن يحضر إلا مزيدا من قصص المعاناة وكسر الطموحات، رغم المساعي الحثيثة للقضاء على مشكلة غلاء المهور، والتكاليف الباهظة، لإتمام مراسم الزفاف. «عكاظ» تعرض العديد من العادات التي ترافق حفلات الزفاف، وتنقل معاناة الشباب من تلك التقاليد التي أثقلت كواهلهم وجعلت كثيرا منهم يعزفون عن عش الزوجية، في حين فضل البعض الآخر الزواج من الخارج. ويأتي «الصرور» وفي بعض المجتمعات يسمى «التقدمة» من أبرز تلك العادات، وتجري بأن يحتفل أهل العريس بابنهم قبل موعد الزفاف بأيام في ليلة يدعى إليها بعض النسوة المقربات من الأسرة والعزيزات عليهن للرقص والمسامرة على أنغام فرقة شعبية للرجال وأخرى للنساء يعزفون على الآلات بدائية، وتغني النساء لأهل العريس ليفتتحن «الطرح» أي الرقص ووضع مبالغ ماليه على رأس الفرقة ويتبعنهن المدعوات الأقارب والصديقات شرط أن يضعن قدرا غير محدد من المال ليشتعل التنافس بينهن بكثرة الطرح وقذف الأموال التي تعود للفرقة المستأجرة بمبلغ من قبل أهل العريس بمبلغ لا يقل عن (7000ريال). وهناك عادة المقضى أو هدايا الخطبة ويتكفل العريس بجميع احتياجات العروس من المنزل إلى الملابس والعطور بجميع أنواعها ويكون (المقضى) على مراحل، يبدأ من الخطبة ويطلق عليها بال «فشرة»، وإذا كان العقد منفصلا عن الزواج فلابد من إحضار فشرة العقد وهي (الخطبة والنظرة الشرعية) أن يدفع الشاب (5000 ريال) وطقم ذهب وكسوة كاملة للعروس، إضافة إلى (2500 ريال) تقسم بين العروس ووالدتها وهدية قيمة، ويتم تسليمها بمراسم احتفالية معينة. ولا تعتبر هذه المدفوعات دليل قبول الخاطب ولا تشمل شروط الزواج، وإذا تزامنت فترة الزواج مع فترة العقد فتتوحد الفشرة، فهناك من يسهلها وهناك من يصعبها. ولا تزال هناك بعض العادات التي لم يزل يعمل بها في الزواج وهي من الأمور التي تشكل عبئا باهظا على العريس ويؤمل التخلص منها على الرغم من التغيير الاجتماعي الطارئ على المجتمع والتوجه الجاد لتيسير الزواج بجهود حثيثة من الدولة والمهتمين بذلك في المجتمع؛ ولكن ما زال هناك من يتشبث بها على الرغم من عدم ملاءمتها لواقعنا الحالي الذي نحياه، ولذا نجد أن أهل العروس من ضمن ما يشترطونه على العريس هو أن يفي بشروطهم الخارجة عن المهر المقدر ب( 30.000 - 40.000 ريال فأكثر) وهنا يدخل العريس في تلبية مطالب الزواج أو شروطه ويأتي بعد شرط المهر (المصاغ) ويعنى به الذهب من طقوم وأقراط وأسوارة وحزام وما إلى ذلك وتكلفتها تتجاوز تكلفة المهر المتفق عليه كتابة لدى المأذون الشرعي. وهناك «السمية» وهي السيدة التي تحمل نفس اسم العروس وسميت على اسمها عند ولادتها، حيث يحتسب لها (5000 - 10.000 ريال)، وهذه العادة تدخل ضمن منظومة الشروط وتكاليف الزواج كعبء إضافي على كاهل العريس ولا يقف الأمر عند هذا الحد في عادات وتقاليد بعض المجتمعات. من غرائب القصص شاب يطلق زوجته بقاعة الأفراح بعد أن أصرت والدتها على قبض ثمن رضوتها من زوج ابنتها الذي صرف كل مدخراته في مراسم العرس والعادات اللا منتهية، وعلى الرغم من تدخل العديد من أقارب الزوج وأهل الزوجة لإقناع والدتها بتأجيل المبلغ إلى وقت لاحق إلا أنها رفضت وقطعت يمينا مغلظة أن لا تذهب ابنتها قبل أن تقبض (10.000ريال) تلك اليمين والعناد على تنفيذ عادات ما أنزل الله بها من سلطان، أجبر الشاب على طلاق زوجته أمام الحضور، وأنهى حياة ابنتها الزوجية قبل أن تبتدئ، فعادت مرتديه فستان زفافها إلى بيت أهلها مطلقة مقهورة. الكثير من القصص والحكايات والموقف منها المحرجة والطريفة والمحزنة التي جعلت بعضا من الشباب يفضلون الزواج من الخارج نتيجة تمسك بعض الناس بتطبيق عاداتهم ومراسيمهم المرتبطة بالزواج، خاصة أن بعضهم لا يملك القدرة المادية على تلبية أي منها سواء ما شرع الله وهو المهر اليسير والسكن والكسوة، فمن طرائف القصص، ما حدث (للعم حسين) عندما تزوج من فتاة لها «سمية» - امرأة تحمل نفس اسمها - فاضطر إلى دفع (12.000ريال) لسمية زوجته وبعد الزواج رزقه الله بمولودة أصرت زوجته على تسميتها بابنة المرأة التي تحمل الزوجة اسمها وبعد سنوات تزوجت تلك الفتاة واضطر إلى دفع حق سمية ابنته، والأطرف من ذلك أن باقي بناته الأربع لهن سميات، فوقع في دوامة السميات التي لن ينتهي منها إلا بفرج من الله وكذلك من يتزوج من بناته يلزم بسمياتهن. أما الحرج الذي وقع به الشاب سامي عندما تقدم لفتاة أعجبت والدته وتقدم لخطبتها ومن المعروف أن للخطبة عاداتها الخاصة وهي أن يدفع (5000 ريال) ربط كلام (عربون) إضافة إلى طقم ذهب مكمل وحقيبة مجهزة بالملابس والهدايا وعربية مجهزة بأصناف مختلفة من العطور والعود باهظة الثمن، وعند النظرة الشرعية تمنح والدة العروس (1500 ريال) و(1000ريال) للعروس بالإضافة إلى أحدث جهاز جوال بالسوق - حتى تكون العادات متطورة ومواكبة للزمن. والمحزن أن كل هذه الأمور غير محسوبة بشروط الزواج وليست مقياسا لقبول المتقدم أو رفضه، - وتحدث للتباهي لكي يقال ولد فلان فعل وفعل ويبدأ الكل في منافسته عندما يقبل على الخطبة - وهذا ما حدث ل «سامي» الذي رفضته الفتاة ولم يجد من يعوض خسارته أو يعيد إليه جزءا مما دفع كعزاء لفاجعة رفضها له. وتذمر الشاب عمر (36عاما) من فاتورة زواجه التي أفرغت جيبه وقذفت به ببركة ضحلة من الديون، فمهر (30.000 ريال) بالإضافة إلى قيمة الذهب من أساور عدني عدد «12» الواحد لا يقل سعره عن (2800 ريال) وطقم ذهب يسمى «ملكي» مكمل بحزامه تصل قيمته إلى (30.000 ألف ريال) يليه شرط قاعة الزفاف الفارهة، وقيمة الفرقة الغنائية لأحياء السهرة التي يشترط أن تكون من خارج المنطقة، ويكفل العريس بفترة إقامتها خارج قيمة إحياء السهرة هي وجميع طاقمها. وتكاليف العشاء، فبعد الزواج لا بد من حضور العروس إلى أهلها سابع يوم وهذه عاده متعارف عليها لوجود جميع أقاربها ببيت العائلة، ولتلك المناسبة فاتورتها المحولة إلى العريس وأهله. يرى الشاب ماجد عبدالله (26عاما) أن التمسك بتلك العادات قد يولد شيئا من الضغينة والحقد بقلب الزوج على زوجته نتيجة إغراقه بالديون وتحمله أعباء تدفع الزوجة ثمنها بعد الزواج، خاصة أن الوضع المادي لأكثر الشباب لا يمكنهم من مسايرة كل تلك العادات القاهرة. وقالت نهى سراج (30 عاما) إن كثيرا من الذين يصرون على تنفيذ كل تلك المراسم يفعلون ذلك من باب المباهاة، ونيل رضا الناس حتى يكونوا حديثا لمجتمعهم، والأدهى من ذلك أن قصص المغالاة والإفراط في عادات وتكاليف الزواج هي بين متوسطي الحال أكثر من الأغنياء. وأكد الكاتب على القاسمي عن تغير الأعراف القبلية لصالح أفرادها بأن هناك من لم يعد يؤمن بها – لكنها غالبا ما تهتز للزواج وتضطرب من أجله ولا تستطيع أن تصحح أخطاءها وإيقاف المبالغ التي لم ينزل الله بها من سلطان وهذا التخفيف هو لصالح الجيل القادم الذي يكافح ويناضل ويقف بوجه حياة ترتفع في كل أسقفها وتقفز معها متطلبات المعيشة إلى حد لا يتمكن فيه الشاب بسهولة من بناء أسرة متماسكة وثابتة وصابرة على الضغوطات والتحديات. وكل المبالغ التي يحددها عقلاء القوم لا تدوم طويلا أو تكسرها الوجوه وضغوط العادات والتقاليد وقد يبدأ بكسرها بشكل مبدئي وبسيط أحد هولاء العقلاء الذين اجتمعوا ذات يوم لوضع حد لهذا الهدر المالي والضياع المتدرج لأجيال تواجه مستقبلا مجهولا. وشدد الأخصائي النفسي الدكتور وليد الزهراني على ضرورة التخلص من العادات المتوارثة، منتقدا التكاليف الباهظة للزواج في المنطقة الجنوبية بشكل عام، لافتا إلى أن ذلك أسهم بفاعلية في ارتفاع نسبة العنوسة بين الفتيات وميل الشباب للزواج من الفتاة الأجنبية لعدم قدرتهم على الوفاء بكل هذه التكاليف حتى لو اقترض من البنوك، بالإضافة إلى انتشار بعض الأمراض والمشاكل النفسية والاجتماعية والأخلاقية الناجمة استمرار العزوبية للجنسين، وتشبث الأهالي بعادات باتت بالية وضررها أشد بكثير من نفعها. من جهته أهاب أستاذ الشريعة الإسلامية بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية الدكتور سعود الفنيسان بأن الله أمر بتيسير الزوج وأثنى رسول الله (صلى الله عليه وسلم) على ذلك في حديثه: «ثلاثة على الله عونهم وذكر منهم الناكح الطالب للعفاف: والحديث خبر لأمر المساعدة والتيسير لغرض العفاف. وقال: «ومما لاشك فيه أن مجتمعنا يعاني من مبالغة ومغالاة تزداد يوما بعد آخر في تكاليف الزواج والعادات المرتبطة به، والتي تختلف من منطقة إلى أخرى بحسب أعراف القبائل وعاداتهم»، مشيرا إلى أن ذلك يخالف ما أمر الله به على لسان رسوله الكريم، بل إن الرسول زوج بأيسر من ذلك حين زوج بما يحفظ الرجل من كتاب الله، و آخر بما يملك من رداء فكان مهر زوجته. وأردف الفنيسان أن التمسك بهذه الأمر يجر الأسى على المجتمع نتيجة تفشي العنوسة وانتشار المحرمات بين الجنسين، لذا يجب على الجهات المسؤولة في الدولة من مؤسسات وجمعيات ووجهائها وعقلائها أن يتعاونوا لتوعية وتعليم المجتمع بمخاطر هذه الأمور والمساعدة بشتى الوسائل لحلها، مقترحا بأن تقبل الأسر جزءا من المهر كمقدم وتجعل الباقي منه مؤخرا للحد من مشكلة الطلاق والتسهيل على طالب الزواج.