يقول مثل شائع في العامية المصرية: "اذا كبر ابنك خاويه" أي أن على الأب أن يعامل ابنه، متى اصبح شابا، معاملة الشقيق لشقيقه. وفي واحة سيوة المصرية يشترط لتطبيق هذا المثل ان ينجح الابن، خلال الايام الثلاثة الاولى من زواجه، في الاختفاء تماما عن نظر أبيه، واذا فشل في ذلك، فانه لن يلقى معاملة الشقيق بل معاملة المجرم الذي يستحق القتل!! "الوسط" زارت مناطق مختلفة في ريف مصر وباديتها واطلعت على طقوس الزواج فيها بما تنطوي عليه من غرائب وطرائف، ترتبط بالعادات والتقاليد المتوارثة عبر الاجيال، وكان التحقيق الآتي: في قرى الريف المصري، سواء في دلتا النيل او الصعيد، تبدأ طقوس الزواج عادة، قبل ليلة الزفاف ببضعة ايام، حيث تتم دعوة الاهل والجيران لمشاهدة اثاث عش الزوجية، الذي يسمى "الشوار" او "الجهاز"، عند نقله في عربات مكشوفة من منزل اهل العروس الى "شقة الزوجين الجديدين التي غالباً ما تكون في منزل اسرة العريس". وفي المسافة بين المنزلين، وهي مسافة غير بعيدة في معظم الاحيان، يسير "موكب التفاخر" هذا ببطء شديد تحيط به العشرات من الرجال والنساء والاطفال، وفوق سطوح المنازل على النوافذ يصطف الذين لم يتسع لهم الشارع، حيث تنطلق الزغاريد والاهازيج الخاصة في هذه المناسبة، وبعد ان تصل عربات "الشوار" الى مقصدها، ينخرط المدعوون والمتطفلون في مجموعات تنشغل كل منها في تقويم "الجهاز" من حيث جودته وفخامته وتكاليفه. وما اذا كان افضل من جهاز ابنة فلان او علان من اهل القرية. الماشطة والحلاق وبعد مراسم الفرجة على "الشوار" وترتيبه حيث سيقيم العروسان يبدأ الاستعداد لليلة الزفاف. وهنا يبرز دور "الماشطة" التي تقوم اولا بتضميخ كفي العروس وقدميها بالحنة قبل يومين من موعد الزفاف، الذي يكون عادة يوم الخميس، ويتم ذلك في احتفال يقوم العريس في نهايته بتقديم هدية الزواج الشبكة الى العروس، وتضم، اضافة الى خاتم الزواج، اساور عدة من الذهب الخالص وما يتسير من مشغولات ذهبية اخرى حسب مقدرة العريس ومدى حرصه على التميز هو وعروسه بين شباب وشابات القرية. وفي اليوم التالي ينتقل الاحتفال الى بيت العريس. وتستبدل "الماشطة" بالحلاق الذي يتولى تضميخ اكف العريس واصدقائه بالحنة قبل ان يتفرغ لجمع الهدايا النقوط من جموع المهنئين ليسلمها بعد ذلك الى العريس او احد اقاربه ومعها كشف باسماء الذين دفعوا وقيمة ما دفع كل منهم، ومن يثبت انه لم يدفع يرسل اليه اهل العريس بطبق من الكعك الى بيته ولا بد ان يعود اليهم وقد توسطته "النقطة" التي هي بمثابة دين يكون على كل واحد قضاؤه في المناسبة وهو نوع من التكافل الاجتماعي. ويأتي بعد ذلك الحدث المحوري، اي الزفاف، الذي تسمى ليلته ب"ليلة الدخلة" ويسبقه مباشرة، عقد القران، ثم "الزفة" حيث يطوف العروسان شوارع القرية قبل ان يتجها الى "الاستوديو" لالتقاط الصور التذكارية، ومنه الى "عش الزوجية". وهناك تتلقاهما سيدات الاسرة بنشر حفنات من الملح لطرد الارواح الشريرة واتقاء الحسد، وما ان يدلف العروسان من باب بيتهما الجديد حتى يغلق عليهما وتنطلق اهزوجة نسائية متوارثة منذ مالا يعرف على وجه التحديد من السنين، تقول كلماتها: "قولوا لابوها ان كان جيعان يتعشى" اي ان عليه ان ينعم براحة البال بعد ان خرجت ابنته من بيته الى "بيت العدل". اراجيد النوبة وعلى رغم ان الطابع الريفي يغلب على بيئة منطقة النوبة في اقصى جنوب مصر، الا ان طقوس الزواج فيها تتميز بسمات تختلف عن تلك السائدة في المناطق الريفية الاخرى، فيوم الحنة هو للرجال والنساء معاً، حيث يتم نقشها على الكفوف والاقدام في اشكال فنية بديعة بعد ان ينخرط الجميع في الرقص والغناء لساعات عدة على انغام موسيقية ذات جذور افريقية. واثناء الرقص المتواصل والذي يسمى "أراجيد" تغيب العروس عن الانظار من حين الى آخر لتعود في كل مرة بفستان جديد. وكلما تنوعت فساتينها وكثرت، كلما دل ذلك على ثراء اسرتها. موكب الحنة واذا كان "شوار" عروس الدلتا يزف في "موكب مهيب"، فان حنة العروسين من اهالي النوبة تزف ايضا في موكب لا يقل "مهابة" وجمالا، وخلال سير ذلك الموكب ترش العطور على العروسين والمدعوين قبل ان يتوجه الجميع الى الساحة المواجهة لبيت العريس لتناول العشاء الذي لا بد ان يكون فخماً ودليلاً على السعة، رغم ان عدد المدعوين لتناوله قد يصل الى بضعة آلاف. وليلة الزفاف عند اهل النوبة تمتد حتى صباح اليوم التالي. ولا يتوقف خلالها الرقص والغناء ودق الطبول والدفوف، ولكن اللافت للانتباه انه في نهاية الليلة ينصرف العريس الى بيت اسرته وتنصرف العروس الى بيت اسرتها!. اذ ان التقاليد تقضي بان لا يجمعهما بيت الزوجية الا بعد يوم كامل من انتهاء مراسم الزفاف. نبع كليوباترا اما طقوس الزواج في واحة سيوة فتبدأ في بيت العروس بعد ان يخطبها العريس مباشرة. حيث تعلق الزينات وتقام الولائم لسبعة ايام متصلة، وفي تلك الاثناء يقوم العريس بطلاء منزله باللون السماوي ويشتري "الشبكة" وملابس جديدة للعروس. وفي الليلة السابقة ليوم الزفاف ليلة الحنة تتجمع صديقات العروس في بيتها، ويقمن بنقش يديها وقدميها. ويوم الزفاف تبدأ مراسمه منذ الصباح باقامة وليمة ضخمة لابناء القبيلة تحت اشراف اهل العريس، وبعد صلاة العصر ترتدي العروس احسن ملابسها، وتفك ضفائرها الصغيرة بمساعدة قريباتها اللاتي يصحبنها الى "عين ناموس" وهي احد فروع النبع الذي كانت تستحم فيه الملكة كليوباترا. وتقضي التقاليد في سيوة بان تخلع العروس عند استحمامها في "عين ناموس" كل ملابسها عدا قميص ابيض ضيق. وبعد ان تفرغ العروس من الاستحمام يجب عليها ان تذهب لزيارة مقام "سيدي سليمان" وهو من السلف الصالح للصلاة والدعاء قبل غروب الشمس، لتعود بعد ذلك الى منزلها وتبقى وحيدة في حجرة موصدة ممنوع على اي امرأة غير متزوجة الاقتراب منها. 99 ضفيرة وبعد صلاة العشاء يستحم العريس مع اصدقائه في المكان نفسه الذي استحمت فيه العروس. وقبل انتصاف الليل بقليل يتحرك ركب من منزل العريس الى بيت العروس فلا يستقبله احد باستثناء العروس الجالسة بمفردها وسط حجرتها. فتقوم سيدات الموكب بتضفير شعرها الى 99 ضفيرة، ثم يغادرن المنزل ويأخذن الحنة والكحل لتزيين العريس. ثم يخرج ركب آخر من منزل العريس يضم اخواته المتزوجات وخالاته وعماته للذهاب الى منزل العروس. فيجدونها في غرفة مليئة بالمدعوين وهي ترتدي ثوب الزفاف الابيض المشغول من الحرير، والمطرز بعدد كبير من الازرار المصنوعة من اللؤلؤ والمكسوة بالاصداف، والتي تعرف باسم "عين الشمس". وهذه الاصداف، حسب اعتقاد اهل سيوة، تقي من الحسد وتحت الثوب الابيض ترتدي العروس سروالاً فضفاضاً طويلاً، وحزاماً عند الوسط اطرافه مطرزة بخمسة الوان من الخيوط الحريرية، بينما تضع قدمها في حذاء خفيف مصنوع من جلد الماعز المصبوغ. وعندما يحاول اهل العريس اصطحاب العروس يتصدى لهم اقاربها وتحدث معركة مفتعلة بين الطرفين يتدخل فيها كبار الشيوخ لفك الاشتباك لصالح العريس، فيخرج الركب من بيت العروس الى حيث يستقبله العريس، ولتبدأ مراسم الاحتفال بالرقص والغناء. اذا تزوج ابنك... وبينما يبدأ المدعوون في الانصراف، تقوم الوصيفات بلف العروس بشال ابيض ويحملنها الى غرفتها حيث يحاول العريس الدخول فتمنعه الوصيفات، وحينئذ يلقي بكمية كبيرة من النقود على الارض فتنشغل كل واحدة منهن بجمع اكبر قدر منها وعند ذلك يتقدم العريس الى عروسه وتنسحب الوصيفات. ويمكث العريس مع عروسه بضع ساعات لتركها قرب الفجر متسللا الى بيت احد اصحابه في جنح الظلام حتى لا يراه ابوه عند زيارته للعروس في الصباح فيقتله. ويستمر هذا "العداء" بين العريس وابيه ثلاثة ايام، يخرج فيها العريس من منزله عند الفجر ويعود في الليل. في صباح اليوم الثالث يحضر اهل العروس لزيارة ابنتهم والاطمئنان عليها ويصطحبونها للاستحمام، وفي ظهيرة اليوم نفسه يحضر العريس مع والده فيتناولان طعام الغذاء سويا، ومنذ ذلك اليوم يعتبر العريس اخاً لوالده. الدلكا والامير وفي حلايب وشلاتين، في اقصى الجنوب، يبدأ يوم الحنة منذ الصباح باعداد الدلكا وهو طحين يعجن بالماء والروائح ثم يتم انضاجه على نار هادئة حتى يتحول الى اللون البني وتدهن به النساء جسم العروس ثم يزال بعد ان يجف، و"الدلكا" تقوي الجلد وتجعله ناعماً. وفي المساء ترتدي العروس ثوبا مميزا يسمى "اللادو" وتجلس في مكان مستقل تحيط بها صديقاها، اما العريس فيحمل في هذا اليوم لقب "الامير" ويرتدي حلة مميزة تسمى "الجونك" تعلو صدرها تمائم تقي من الشرور والحسد، ويظل في كوخه المصنوع من سعف الدوم حتى تأتيه العروس في اليوم التالي بصحبة ثلاث وصيفات. ويظل العريس لمدة اربعين يوما يصطحب عروسه الى كوخ اسرتها. عند الفجر ليعود ويصطحبها الى كوخه عند الغروب، وفي نهاية هذه المدة تنحر الذبائح. وترجع جذور هذه العادة الى قدماء المصريين اذ لم يكن مسموحا للعروسين في ايام زواجهما الاولى بالخلوة الا في حضرة إله الخير والتناسل والذي كان يرمز اليه بالقمر .