أكثر من خمسة وعشرين عاما قضاها سعيد الهندي رحمه الله متجردا للعمل الإذاعي والإبداع الفني في الكلمة المنشورة، والكلمة الشاعرة، وحمل مسؤولية هذه الكلمة على كاهله حتى في أصعب ظروفه الصحية. كان على شدة وطأة الألم الذي كثيرا ما كان يساوره، قليل التشكي، وظاهره يوحي بخضم من المعاناة، كان شاعرا بكل ما في الكلمة من معنى. أخلص سعيد الهندي لهذا البلد الكريم بالعاطفة الصادقة والكلمة الحية التي أرسلها نغما عذبا كم شدا به المنشدون، تغنى بالأرض وبطبيعة الأرض والإنسان العربي في هذه الجزيرة الشماء، تغنى بالمصايف الجميلة في ديارنا، تغنى بجناحي المملكة المحلقين نجد والحجاز، وبسراتها الطيبين وبأبطالها الأحرار الميامين عبر التاريخ المجيد. قليل أولئك الذين عرفوا بالعزوف عن البحث وراء المادة ومنهم سعيد الهندي الذي كان يتمتع بخلق الصفوة من الأدباء، كانت تجارته ماثلة بالمعاني الرفيعة والمثل الكريمة التي اعتنقها في مشوار الحياة. عرف في سعيد الهندي حسه الصادق، حس شاعر مرهف تنبع الكلمات الوهاجة من تضاعيف وجدانه النقي، وكلماته الشاعرة المضخمة بأريج الحب، هي قلائد ثمينة كان يهديها لزملائه دون أن ينتظر المقابل، وظل تعامله معهم دون انتظار للمقابل إلا ما كان يربط بينه وبينهم من وشائج المودة والإكبار والتقدير، هكذا حتى اقتربت نفسه أن تمضي عن هذا العالم الفاني. ولم يقم بينه رحمه الله، وبين معارفه وزملائه في عالم الإذاعة إلا ما كان يقوم بين الأستاذ وتلامذته، الأستاذ الذي زرع في قلوب أصدقائه وتلامذته بذور الحب والوفاء، وكل منهم ينظر إلى الأيام الماضية التي جمعته بسعيد الهندي فلا يرى إلا أثرا طيبا من ذلك الرجل الطيب في كل ما كان الراحل يتعامل به مع الجميع. إن الجميع يدركون أنهم كانوا يتعاملون مع الفنان الإنسان الذي اختزن بين حناياه رصيدا ضخما من العواطف السامية. وفي فن الإخراج الإذاعي هو أستاذ بلا منازع تردد اسمه في كثير من الإذاعات العربية الناطقة بالضاد. وقد كانت إذاعة الشرق الأدنى تنعم بما كان يزودها به من زاد الأدب والشعر في شرخ شبابه، إلى جانب إذاعة لبنان والقدس والقسم العربي في إذاعة لندن، يضاف إلى ذلك إذاعات أخرى انبعث منها على الأثير ما كان يطرب ويعجب أهل الذوق من عشاق الكلمة الرقيقة المجنحة. والأديب الشاعر الفنان سعيد الهندي علامة بارزة الأثر في إذاعة السعودية، وبصماته واضحة في معظم أعمالها، وتلامذته الذين أفادوا منه موجودون يعرفون قدره ويقرون بحق أستاذيته عليهم، وهو رحمه الله له حق عظيم على الإذاعة التي قدم لها خلاصة فنه وعصارة روحه بكل تجرد وإخلاص، ولعل حضرات المسؤولين فيها وعلى رأسهم وزير الإعلام حين يذكرون سعيد الهندي، يذكرون علما من أعلام الكلمة شارك في رفع منار هذا الجهاز الضخم على مدى ربع قرن، ويعملون على تكريم اسم هذا الرجل الذي أمضى زمنا غير قصير في خدمة هذا الوطن الذي ارتبط به بحب الفؤاد.