مشكلة المجتمع العربي اليوم أن الإنتاج الذي ينتجه العامل العربي أضعف بكثير من إنتاج العامل الشرقي الياباني أو الغربي الأوروبي أو الأميركي. الطالب الجامعي في جامعاتنا العربية لا يقرأ كما يقرأ غيره؛ تعوّد على التلقين المستمر وعلى العلوم النظرية، وأهمل البحث والعلوم التطبيقية، ولم يمارس العملية التعليمية بشكل أفضل في حياته اليومية كما يمارسها الطلبة المتفوقون في الدول الأخرى المتقدمة، وقد يكون السبب في ضعف المعلم، وتخلّف الوسائل التعليمية، ودورانها في فلك أساليب قديمة لا تغني ولا تسمن من جوع، وفي بيئة تعليمية سيئة. ليس بصحيح أن العقول العربية غير العقول الأخرى. العقول واحدة ولكن طرائق التفكير مختلفة، وطريقة التعاطي مع المادة واستعمالها فيما ينفع. مشكلة الشعوب العربية أنها تفتقر إلى الوعي الحضاري وتُعنى بسفاسف الأمور وتتعاطى مع المشكلات اليومية بكل سلبية، فظهرت أجيال تلو أجيال غير معنية بمصالحها ومقدراتها بل معنية فقط بلقمة العيش وكيفية تحصيلها، والقناعة بأقلِّ القليل. ليس هناك طموح أو تطلع إلى الأفضل على الأصعدة كافة. واقع مرير تتابعت عليه أجيال الشباب العربي، الذي تبني على أكتافه الشعوب النهضة الحضارية، والتي تتطلع إلى قيادة العالم. إذا أرادت الشعوب أن تتحول نحو الأفضل فلا بد من الالتفات إلى الجيل الجديد من الشباب، وبناء لحمته، وتقوية أصوله، وزراعته من جديد، وتنشئته على القوة والعمل الجاد، والتطلع نحو الأفضل، وعدم الرضا بالدون، والتركيز على اعتزازه بتراثه وتاريخه، وتكوينه تكوينًا علميًا ممتازًا ليكون متميزًا ومنتجًا، وتنمية روح المنافسة الشريفة بينه وبين أقرانه في الدول الأخرى، والاستفادة من تجارب الأمم الأخرى التي نهضت في فترة وجيزة، ونافست أممًا سبقتها في ركب الحضارة منذ قرون. الحياة المعاصرة اليوم تفرض علينا أن نحدث تغييرًا جذريًا، وأن نحاول دراسة أسباب ضعفنا وتخلّفنا، وأن نبذل قصارى جهدنا في معرفة أسباب التقدم، ونبذل في سبيلها كل الجهد والطاقة. لابد أن نتحرر من ربقة الجهل والضعف والتخلف، وألا نرمي على الأنظمة كل أسباب فشلنا وانهيارنا. التغيير يأتي من الداخل، من أعماق النفس البشرية، من ذاتها، من حالة الرضا بالقليل والاتكال على منتجات الأمم الأخرى، إلى حالة الإبداع والإنتاج الذاتي ولا بد في سبيل ذلك من معرفة الأمراض المزمنة التي تفشّت في عروقنا كسرطان خبيث أصاب الأمة بالشلل التامّ والانصهار في عوالم أخرى وفقدان الهوية أو ذوبانها. لا بد من بناء شخصية مستقلة استقلالاً ذاتيا عن المجتمعات الأخرى، وهناك فرق بسيط بيننا وبينهم؛ أن الواقع والبيئة التي يعيشون فيها مختلفة تمامًا؛ فهي بيئة تساعد على التقدم والنمو، وتعطي الحرية الكاملة للإنتاج والإبداع، بينما الواقع العربي وبيئته اليوم لم توفر القدر الأدنى من ذلك؛ فانشغل المجتمع العربي بالبحث عن لقمة العيش، بعيدًا عن محاولة إيجاد مصادر جديدة للعيش الكريم. ليست هذه الطريقة مجدية على المدى البعيد. الذي يجدي وينفع أن تتغير الشعوب من داخل أنفسها، وأن تبدِّل واقعها من الضعف إلى القوة، ومن الاستضعاف إلى الكرامة، ومن الخور والاتكال إلى العزيمة والرشد والعمل الجاد المبدع، بإرادة لا تعرف الكلل أو اليأس والملل. ودروس التاريخ كثيرة ونابضة بنماذج مشرفة في تراثنا التاريخي الذي أثبتت الأجيال فيه بصور مشرقة أن التغيير ممكن، وأنه لا بد من الأخذ بالأسباب، والتعاطي مع سنن الكون التي تلحُّ على أن التغيير ضرورة ممكنة وغير مستحيلة، وإذا وجدت الإرادة والهمة والإخلاص، وتم بذل الجهد، حدث التغيير المنشود نحو الأفضل، وتحركت عجلة التقدم والرقي، ولكن من ذواتنا نحن، لا من غيرنا، (إن الله لا يغير ما بقومٍ حتى يغيروا ما بأنفسهم).