الشعور بالمسؤولية خاصية فطرية في الأساس تنمو بالتربية والتدريب والتجارب التي يمر بها الفرد في جميع الظروف حتى تظهر معالمها ودلالاتها، كبناء نفسي، وخاصية من خصائص الشخصية تؤثر في سلوك الفرد وتصرفاته، كالحرص والأمانة، وإتقان العمل، وسرعة الإنجاز، والوعي بجميع الظروف التي تحيط بما هو موكل للفرد القيام به. التكليف العام للإنسان منذ نزوله إلى الأرض هو عمارتها، واستثمار خيراتها، والسعي الجاد بما يكفل النماء، والتطور في جميع المجالات. ولعل مصطلح الأمانة يرادف المسؤولية كما ورد في قوله تعالى، «إنا عرضنا الأمانة على السماوات والأرض والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما جهولا». هل البشر متساوون في الشعور بالمسؤولية؟ الإجابة بلا تردد لا، فالشعور بالمسؤولية نسبي، والشواهد من واقع الحياة كثيرة، ففي تربية الأبناء والاهتمام بهم في تعليمهم وغذائهم ولباسهم، والحرص على التربية الصالحة، نلاحظ التفاوات، فمن الناس من يحفد ويجتهد ويبذل قصارى جهده للارتقاء بأبنائه إلى مستويات عليا في جميع المجالات، ليجعل منهم مواطنين صالحين، نافعين لأنفسهم ومجتمعهم ووطنهم عموما، في حين يوجد آخرون مهملون عائلاتهم، بل يتخلون عنها، ليتشرد الأبناء ويكون مصيرهم الضياع، ونتيجة ذلك، الانحراف والتسكع حتى يتحول بعضهم إلى قنابل موقوتة في مجتمعهم. الشعور بالمسؤولية تجاه الوالدين يمثل صورة أخرى يهتم بها كثير من أبناء مجتمعنا من خلال رعايتهم وبرهم والاهتمام بتوفير احتياجاتهم ومراعاة مشاعرهم، وفي الوقت ذاته يوجد من تخلى عن هذه المسؤولية مع قلتهم غير آبه بقوله تعالى، «وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا إما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما وقل لهما قولا كريما»، حتى تحول والداه إلى نزلاء دور الرعاية الاجتماعية، لافتقادهم شعور المسؤولية تجاه والديهم، وكم حملت كاميرات التواصل الاجتماعي من حالات لوالدة أو والد وصل بأبنائهما العقوق إلى التخلي عنهما ليعانوا العزلة ومرارة التخلي عنهما. الشعور بالمسؤولية تمتد دائرته إلى الحياة العامة في مجال العمل والشارع، وعند التعامل مع المرافق العامة، وفي داخل الوطن وخارجه، ومن يمعن النظر في بعض التصرفات يلمس انتفاء الشعور بالمسؤولية، فهذا يرمي نفاية محله التجاري في غير موضعها المحدد، وآخر يحتسي كوب الشاي أو القهوة فإذا فرغ منه رماه على الرصيف، وآخر يوقف سيارته على الرصيف، ليرسم صورة بشعة، ويتسبب في خرابه دونما تأنيب ضمير أو خوف من محاسبة من الجهة المعنية. داخل منظمات العمل، الشعور بالمسؤولية ذو أهمية كبيرة، يحفظ به المال العام، سواء كان حكوميا، أو خاصا، كما أن من نتائجه ترسيخ أهمية الأنظمة وقيمتها والعمل على احترامها، بدلا من تركها وسيلة لإثراء البعض دون حق، ولعل الحرص في مناقصات المشاريع لإعطائها ذوي الخبرة والأهلية ضمان لجودة المشروع، وإتمامه في وقته المحدد، بدلا من التعثر المضر بالمصلحة العامة، كما أن الشعور بالمسؤولية لدى العاملين في المنظمة يضمن توجيه الإمكانات، والميزانية للأعمال الجوهرية، بدلا من صرفها في النثريات، كما في بعض الأحيان. الشعور بالمسؤولية نحتاج إليه في أي نشاط، فالمربي، والطبيب، والمهندس، والمدير، والسياسي، والمواطن العادي، والإعلامي، كلهم عليهم المسؤولية، كل في مجاله الخاص، وكذا في الحياة العامة، ليتحقق الاستثمار الأمثل لجميع الإمكانات المادية والبشرية، بدل تركها لمن يفكر العبث بها. إن تنمية الشعور بالمسؤولية تحقق مكاسب ضخمة للفرد والمجتمع، كما تجنبهما خسائر فادحة، ولذا أوجدت الدول أجهزة رقابية حماية للمقدرات والمصلحة العامة، كما في ديوان المحاسبة، وهيئة النزاهة والتحقيق، وهيئة الادعاء العام. نقلا عن الاقتصادية