قبل سنوات كتبنا مقالًا عن لبنان بعنوان (نحتاج إلى صقور أيضًا)، ويا حبذا لو أن القارئ يعيد قراءته، فما أشبه الأمس باليوم. وكان البعض يشبه مطالبتنا بمحاسبة لبنان على مبدأ الثواب والعقاب في ذلك الوقت (بالصقور)، وأن أسلوب الحمائم هو الأفضل للتعامل مع لبنان!، وقد نصحنا السفير السعودي في لبنان أثناء أزمة التهجم على المملكة في وقتها، بالقول «أثناء أزمة المقال الشوارعي الذي صدر من أحد أعوان محور طهران وحزب الله، وكذلك ردود الحكومة اللبنانية التي كانت ضعيفة ولا ترقى إلى ما صنع، ويحسبون شوية كلام وترضيات تنسينا الانحدار الذي وصل له البعض في لبنان، وربما الموائد والمناسبات وأكل التبولة مع سياسيي لبنان لن تحدث اختراقات، فالسياسيون اللبنانيون يعترفون بالشيء الملموس والسياسة الواقعية». رأى الزملاء في «الوطن» حذف جملة (أكل التبولة) حتى لا يساء فهم المقال ويحرف عن مساره، وحتى يبقى المقال مركزًا على موضوعه. والآن وبعد سنوات اعتقدوا أنهم أصابوا في حذف الجملة، فالمقال وصلت رسالته دون ذكر (التبولة)، وكنت وقتها أعني بالجملة، أن الكثير من السياسيين اللبنانيين لا يعترفون بالعلاقات الاجتماعية والحكي (والخبز والملح)، ولكن يؤمنون بمبدأ الثواب والعقاب، ومثلث ماسلو والحاجات الأساسية والواقعية السياسية كما عددنا في المقال. في الحقيقة هذا المقال ليس عن لبنان أبدًا، ولكن عن اليمن وذكرت المقدمة أعلاه لغرض في نفس يعقوب سأشرحه لاحقًا، ونؤكد تركيزنا حاليًا على اليمن لأن لبنان لا يمثل أهمية استراتيجية للمملكة نسبيًا، بينما اليمن يقع على الحدود الجنوبية مباشرة للمملكة وحدوده طويلة، وله تأثير في الأمن الوطني السعودي وحتى له أهمية إستراتيجية بالغة، لكن هناك تشابهًا كبيرًا بين اليمن ولبنان. فالعديد من السياسيين اليمنيين لا يختلفون كثيرًا عن السياسيين اللبنانيين من ناحية الانتهازية وتغيير الولاءات والأنانية! وهنا لا أذكر الحوثيين فقط، فهم باعوا أرواحهم لملالي طهران وصاروا عبيدًا وذيولًا عند الفرس، وهذا شيء لا يختلف عليه اثنان لكن ماذا عن العديد من الزعماء والعوائل اليمنية الكبرى الأخرى !. وسأبدأ بعدة أسئلة: كم من القبائل والعوائل اليمنية قسمت أبناءها بشكل مقصود بين الشرعية والحوثيين حتى تستفيد من الجهتين كالمنشار؟. كم من القبائل اليمنية ولاؤهم في النهار يختلف عن الليل، بل ولاؤهم قبل وبعد جلسة القات يتغير؟. كم من القبائل اليمنية مستفيدة حاليًا من استمرار الحرب وتقوم بعمل خدمات لوجستية للطرفين؟. كم من القبائل ومن الشرعية يجمع الأموال والدعم من التحالف من أجل محاربة الحوثيين، وبدأوا يحولون النقود لدول الهجرة حول العالم للحصول على إقامة وجنسية ولبدء تجارتهم، بعد أن كانوا مستلقين مدة طويلة في الفنادق الخليجية؟. كم عدد المستفيدين بالملايين حاليًا من العمل في دول الخليج ولا يرغبون بعودة الاستقرار لليمن حتى لا يفقدوا عملهم ؟ كم من الخيانات التي حدثت في هذه الحرب وأدت لسقوط مناطق أو خسائر في الأرواح والممتلكات؟. والآن سنتكلم عن سؤال مهم محوري، نحن نعرف أن الحوثيين خونة ولا عهد لهم، لكن كم اتفاقًا حدث بين من يدعون أنهم ضد ويحاربون الحوثيين ولم ينفذوا ولم يلتزموا؟!. الاتفاقات بين الأطراف اليمنية نفسها ما مصيرها ؟! لنسمي الأمور بمسمياتها، على الدعم الذي حصلت عليه الشرعية ماليًا وعسكريًا والدعم الجوي المكثف، فإن النتيجة الطبيعية والمنطقية أن يكونوا الآن في منتصف صنعاء ! لكن كيف تريدهم أن يحاربوا وهم يتلقون الآن رواتب أو فوائد أضعاف ما كانوا يتلقونه أيام علي عبدالله صالح، من مصلحتهم استمرار الحرب !. العديد من الجهات مستفيدة من استمرار الحرب، الغربيون مستفيدون كابتزاز للسعودية، العديد من رجالات الأممالمتحدة والمنظمات الدولية مستفيدة ماليًا أو أمور أخرى يترفع الشخص عن ذكرها وتم شراء العديد من الذمم ترغيبًا أو ترهيبًا!. دعونا نعترف أن الكثيرين خارج اليمن كانوا مخطئين بل مخدوعين في اليمن، علي عبدالله صالح باع للخارج فكرة أن اليمن قبلي وأعراف قبلية إلخ.. بينما الواقع أن الحوثيين داسوا على العديد من مشايخ القبائل وسجنوا النساء وأهانوهن، والقبائل لم تحرك ساكنًا، تغيرت أخلاقيات القبائل وأصبح البعض يفتخر بالخيانة وتغيير الولاء وأنها شطارة !. نصيحتي للتحالف والسفير والسفارة، منذ عدة سنوات وأنتم تعاملونهم بطريقة راقية والطريقة التي اعتدنا عليها في مجتمعنا والتي تربيتم عليها وطريقة (علوم الرجال)، ولم تفلح في إحراز نتائج قوية حتى مع بعض رجالات الشرعية والمنظمات، ربما الآن حان وقت تغيير الطريقة. الثواب والعقاب والسياسة الواقعية الواقعية الجديدة (النيورياليزم)، حتى لا يعاد سيناريو لبنان بعد فترة من الزمن، بل ليس من الممكن أن يعاد لأن التخلي عن لبنان قد لا يؤثر كثيرًا في الأمن الوطني السعودي لكن اليمن لا نستطيع تركه، وبكل صراحة لا نريد إعادة سيناريو أفغانستان، حتى لو تم تحرير اليمن من الحوثيين فهل الشرعية الحالية قادرة على البقاء مدة طويلة دون انهيار !؟. قلتها سابقًا وأعيدها الآن، أماكن مثل اليمن والصومال وأفغانستان تحتاج إلى ذراع وخبراء استخبارات لإدارتها أكثر من جيش أو سياسيين، لأن خبراء ورجال الاستخبارات الأقدر والأفضل في التعامل مع متبدلي الولاءات والثواب والعقاب والواقعية السياسية، لذلك فضلنا الاستخبارات على الجيش في مقال (أيهما أفضل الجيش أم الاستخبارات؟). فالجيش معتاد على الشرف والأمانة والرجولة، بينما هذه النوعية من البشر والقيادات والاستغلاليين والأنانيين لا ينفع معهم إلا تعامل مخضرمي الاستخبارات الذين يعرفون جيدًا التعامل مع الخبث واللؤم، وإذا طعمت الخبرات الاستخباراتية أيضًا بمستشارين قدماء من دولتين على البال، فإن الشياطين بذاتها تتعلم منهما التكتيك والتخطيط وعسف متغيري الولاءات. ببساطة ومنذ مئات السنين القاعدة الشهيرة يجب ألا تعامل الجميع بالطريقة نفسها (إذا أنت أكرمت الكريم ملكته وإن أنت أكرمت اللئيم تمردا)، والآن نرجع إلى حاجة في نفس يعقوب (فكما أن أكل التبولة ومسامرة السياسيين اللبنانيين لم تنفع في لبنان فإن علوم الرجال والمعاملة وأخلاقيات المروءة لن تنفع مع العديد من السياسيين والقادة اليمنيين). لا أعمم هنا فلا شك لدينا أن هناك إشرافًا ووطنيين كثر، ومحاربين شجعان ورجال بمعنى الكلمة في اليمن ضد الحوثي، لكن للأسف غيبوا عن المشهد في وجود أصحاب المصالح متغيري الولاءات كالحرباء. نقلا عن الوطن السعودية