قبل نحو عامين وتحت عنوان (الخطر القادم) طالبت في مقال نشر في هذه الزاوية دول الخليج بتوجيه بوصلة استثماراتها نحو اليمن لمكافحة الفقر الذي خلفته سنوات من السياسات الاقتصادية الفاشلة التي عجزت عن استثمار ثروات هذا البلد وطاقات شبابه الواعدة، بالإضافة إلى خلق منظومة تعاون أمني عسكري تستوعب اليمن خليجيا وتساهم في حمايته من التحديات الداخلية والتدخلات الخارجية. والآن يجب أن نعترف بأننا في مجلس التعاون في حاجة إلى إعادة صياغة سياستنا الخارجية تجاه اليمن بعد فشلنا في تثبيت أركان المبادرة الخليجية ومنع سيطرة جماعة الحوثي على كافة مفاصل الدولة في صنعاء. تلك الجماعة التي هي برأيي أخطر علينا من داعش والقاعدة مجتمعين فمن يتابع خط سير الحوثيين والمعارك التي خاضوها مع القوات الحكومية ورجال القبائل يدرك بأن المسألة ليست حرباً طائفية ولا حتى ثأرية وإن ظهرت بهذه الصورة من خلال المواجهة مع السلفيين في دمّاج أو حاشد في الخمري، بل هي أبعد حتى من حدود العاصمة التي سقطت في يد الحوثيين أمام أنظار الرئيس هادي، والمبعوث الأممي جمال بن عمر، إذ إن هناك سعياً حوثياً للمزيد من السيطرة من خلال الاستيلاء على مصادر الطاقة وحقول النفط والغاز في مأرب، وميناء الحديدة الحيوي القريب من مدخل البحر الأحمر وهو ما سيسمح بتزويد الحوثيين بالمزيد من الأسلحة الإيرانية وغيرها من الأسلحة المستوردة عن طريق حليفهم تاجر السلاح المعروف فارس منّاع الذي ضغطوا من أجل تعيينه محافظاً لصعدة. قناة المنار التابعة لحزب الله، والعالم الإيرانية تصور (انقلاب) الحوثيين على أنه ثورة شعبية مدعومة من الجيش، لكن ّما يجري على الأرض يؤكد وجود مؤامرة على اليمن شاركت فيها قيادات سياسية وعسكرية محسوبة على النظام السابق وفق خليط من المصالح والتحالفات التي ستشكل خريطة (يمن) جديد غير الذي نتمناه. (يمن) تحكمه جماعة تسمي نفسها جماعة أنصار الله بكل ما يحمله هذا الاسم من دلالات لا تقتصر على التشابه في التسمية مع حزب الله اللبناني بل في التكتيكات والأساليب، ويكفي أن تشاهد خطابات عبدالملك الحوثي لتدرك أنك أمام محاولة إيرانية لاستنساخ السيد حسن نصر الله. في مقابل ذلك، ولتراجع الدور الخليجي في اليمن خصوصا بعد رحيل الأمير سلطان بن عبدالعزيز الذي كان السياسي الأكثر قدرة على فهم طبيعة هذه العلاقة، والتعامل مع كافة المتغيرات اليمنية التي سبقت الوحدة بين الشمال والجنوب وصولاً إلى ترسيم ما يقارب الفي كيلومتر من الحدود المشتركة من خلال علاقاته المتميزة مع شيوخ القبائل وصنّاع القرار في اليمن وهو الأمر الذي ساهم في تجنيب المنطقة العديد من الأزمات والحروب. أخيراً.. حان الأوان لسد الفجوة وإعادة ما انقطع من صلات مع الجارة الجنوبية بكافة أحزابها وقبائلها وتكتلاتها الاجتماعية قبل أن نجد أنفسنا في الخليج أمام مواجهة جديدة مع مليشيات الحوثي الأقوى والأكثر تنظيماً وتمويلاً هذه المرة.