الحوار هو لغة التواصل بيننا وبين الأفراد وبيننا وبين المجتمعات والثقافات الأخرى، نتبادل من خلاله المعرفة والخبرة والمعلومة. كل مجتمع له نمط معين من الثقافة والعادات الاجتماعية وطريقة تفكيره وأسلوب حياته المختلفة عن المجتمعات الأخرى. لذا، علينا جميعا احترام ذلك. من عدل الله -عز وجل- أن جعلنا قبائل وشعوبا متعددة ومختلفة للتعارف وتبادل المصلحة والمنفعة وهذا هو «التكامل»، هذا «التكامل» يساعد في النمو والتطور والتغيير للأفضل دائما. يأتي دور «الحوار» مهما ومكملا لكل ذلك، يقارب وجهات النظر ويقرب المسافة بيننا، يجعلنا ندرك عمق «القبول» و«التقبل» اللذين يعدان إحدى البوابات الأساسية في أي حوار ننشئه مع الآخر، القبول يجعلنا نستمع ونتفهم وجهة النظر المختلفة، وأن نحترم هذا الاختلاف. الحوار له أبعاد عدة؛ بعد «وجودي» هدفه إعمار الأرض، وبعد «إنساني» هدفه التواصل بين الأفراد كالعلاقات الإنسانية، وبعد «تكاملي» لتبادل المصالح المشتركة بين الأفراد والأمم. لذا، جيد أن نسأل كيف لنا أن نبني حوارا جيدا ومتوازنا؟ نجد خلف الحوار جذور الانطلاقة، ان صحّت صح الحوار وطريقة تعاملنا مع الآخر وهي «الاعتقادات»؛ ان كانت اعتقادات جيدة وإيجابية وإنسانية صح الحوار وأصبح له دور ورسالة وهدف، وإن كانت هذه الاعتقادات سلبية أو عنصرية فمن الطبيعي أن تكون نتائج الحوار سلبية وغير مثمرة أبداً، والأمثلة عديدة تعرض على شاشات التلفزيون توضح مدى جمال وعمق الحوار والخروج منه بفائدة للجميع، أو حوار مبني على الصراخ وانتقاص من الطرف الآخر تكون نتائجه سلبية على نفسية المشاهد، بل تزيده شحنة من الغضب والكره، وهنا مهم أن ندرك أهمية دور الإعلام ومدى تأثيره على الأفراد فهو «سلاح ذو حدين». البعض يقع في فخ الحوارات الضعيفة التي تحاور الشكل والإثارة لا المضمون والمحتوى، وذلك لأسباب عدة، منها: الاعتقادات والمفاهيم الخاطئة في الحياة والتي تؤدي إلى حوار عقيم، عدم الانصات والاستماع للطرف الآخر وعدم تقبل وجهات نظر المختلفة ما يؤدي إلى الصراع والتلفظ غير الجيد المتضمن الكثير من التهكم وقلة الاحترام، ضيق الرؤية والنظر للموضوع أو للحياة من زاوية واحدة فقط وتجاهل أن الحياة متنوعة ومتعددة في كل شيء وهنا يظهر وعي وثقافة كل منا، التزمت بالرأي والتصلب وعدم المرونة لذا نقع في فخ السيطرة وفرض الرأي بالقوة دون مراعاة الآخرين وهذا يعتبر ضعفا. لذا، فمن المهم تعزيز ثقافة الحوار في البرامج الإعلامية الثقافية الاجتماعية، إذ يعطي صورة حية لطريقة وأسلوب الحوار الجيد الذي حتما سيؤثر على المشاهد والمتابع. جميل أن نبدأ مبكرا في تعزيز ثقافة الحوار بيننا كأفراد من مرحلة الطفولة عندما نحترم أبناءنا في طريقة الحوار معهم، نحاور الطفل باحترام وتقدير ما يزرع في داخله لغة الحوار الجيدة الواثقة من نفسها، هذه هي البذرة الحقيقية التي تساعد مجتمعاتنا لأن ترتقي للحس الإنساني في تقبّل كل مختلف عنه، الأبناء سيعتادون على سماع الرأي المختلف، سيعتادون نمط حياة المجتمعات المختلفة عنا وهذا هو عمق السلام الذي يجمع جميع الأفراد على الاحترام والتقبل والاستماع للآخر، كيف يدرك أبناؤنا ذلك من خلال النموذج الذي أمامهم (الوالدين). جميل أن نبدأه من أنفسنا، في طريقة حوارنا مع داخلنا بحب وسلام، بعضنا حتى مع نفسه يعيش معها كالجلاد؛ انتقاد دائم وعدم الانصات لكل ما يدور في داخله، ما يجعله هو أيضا لا ينصت ولا يحترم الآخر. لغة الحوار تجعلنا نبتعد عن الجدل والمشاحنات، تجعلنا نرتقي بأسلوب حوارنا وكلماتنا وهذا له انعكاس كبير على النمو الفكري والثقافي والاجتماعي، دائما الاحترام وتقدير الآخر وتقبل المختلف عنا يجعلنا مدركين لأدوارنا في الحياة في البعد الوجودي من الحكمة الإلهية في هذا التنوع في الأعراق والأجناس والثقافات ويجعلنا ندرك البعد الإنساني في تبادل المصلحة والمنفعة بين الأفراد والمجتمعات، أي نعيش التكامل والتعاون مع الكل. لذا، الحوار ليس فقط كلمات تتبادل بين الأفراد أبدا، بل الحوار هو عنوان لسلوكنا وأفعالنا مع بعضنا. نقلا عن الحياة السعودية