يُعد الحوار سمة حضارية للتعرف على أفكار الآخرين وتقريب وجهات النظر واكتشاف الجديد وحل الكثير من القضايا، ومع ذلك كله مازال المجتمع يعاني من صراعات ومشاكل تفوقت فيها "الأنا" في الحوار، لتتحول إلى صراع لإثبات وجهة نظر أو توجه. إن غياب ثقافة الحوار تقوم على مبدأ الآمر والمأمور، وهو ما يُولّد قهراً فكرياً وضغطاً نفسياً لكلا الطرفين، مجالس تفض بسبب تلفظ أحدهم على الآخر لأنه ببساطة أدلى برأيه، وقلوب تشحن لأن الحوار انقلب لترصد أخطاء أحدهم وتذكيره بماض قديم أو التقليل من شأنه وفكره، لم يعد هناك احترام لكبير في العمر علمته الحياة الكثير من التجارب، ولا حلم لصغير في جسده عملاقاً بعقله وأفكاره، فالكبرياء دائماً ما يكون سيد الموقف ورفض الآخر وتهميش رأيه إمّا لانعدام ثقة، أو الخشية من التغيير أو التفوق الفكري. وكرّست ثقافة التناحر والتغالب و"أنا الصح وأنت الغلط" انغلاق كل طرف على ذاته، وأدخلتهما في دوامة ليس لها نهاية من أجل موضوع بسيط، الأمر الذي يتطلب الاهتمام في المجالس الحوارية سواء كانت في المنزل أو العمل أو البيئة التعليمية، وهو ما يُعد دليلاً على التقدم في الفكر الإنساني، كذلك لا بد من البعد تماماً عن هيمنة فرض الرأي وإخضاع الآخرين لقوة الرأي الأوحد، إضافةً إلى أهمية احترام الآخرين ومراعاة مشاعرهم وإيصال المعلومة لهم عبر أسلوب متقدم ومُحبب. لغة مفقودة وقال عبدالله الصقيه -تربوي-: إن الحوار لغة مفقودة في مجتمعاتنا العربية للأسف الشديد، فالإنسان لا يولد محاورا وإنما صقله لشخصيته واستخدامه للأدوات والمفردات اللغوية وتمكين نفسه من احترام الآخرين كفيل بخلق جو حواري من الطراز الأول، مضيفاً أن المجالس الحوارية مهمة في كل مكان، في المنزل والمدرسة والجامعة والعمل، بأن تستمع لرأي غيرك وتحترمه من غير تنقيص أو استخفاف، وهو ما يُعد كفيلاً بتشكيل ثقافة عامة راقية، وتطوير الفكر، وتعليم كيفية الموازنة بين الحصول على العلم من المجادلة العمياء التي تنقلب إلى شجار بسبب أحدهم أو استبداده برأيه دون الآخرين، مبيناً أن الجميع يتساءل من أين أبدأ، أولاً ثقّف نفسك بكيف تكون محاوراً جيداً، قد تجد صعوبة في التطبيق، لكن الأمر يتحول تدريجياً إلى عادة، ثانياً البعد تماماً عن هيمنة فرض الرأي وإخضاع الآخرين لقوتك وإلاّ شككت بأساسياته وانتماءاته، مما يولد الشعور بالغبن والانتقام والثأر، تتحول بعدها العلاقة بين الطرفين قلقة حذرة وينعدم الحوار ليكون جدال عقيم يتراشق به كلام جارح، مشيراً إلى أن سيادة ثقافة التناحر والتغالب و"أنا المصيب وأنت المخطأ" تكرس انغلاق كل طرف على ذاته، ويدخل في دوامة ليس لها نهاية من أجل موضوع بسيط، مؤكداً على أهمية الإصغاء بإنصات قبل أن البدأ بالحديث وكذلك التحلي دائماً بالصبر. دور سلطوي وأوضحت منيرة الشنيفي -مشرفة اجتماعية- أن لغة الحوار غائبة في جميع الدوائر الاجتماعية وأولها المنزل، حيث يلعب الآباء الدور السلطوي الذي لا يُجادل ولا يُخالف، فانعدام الحوار يوجد ثوّاراً في المنزل بمحاولة خرق القوانين والحواجز، مضيفةً أنه دائماً ما نسلم الأمر إلى البر بالوالدين -حسب قولها- وأن مجادلة أي أمر يقرر من قبل أحد الأبوين يُعد إثماً، إلاّ أننا لو تعلمنا لغة الحوار بطريقة حضارية يملؤها الاحترام متبادلة بين الأبناء والآباء لحللنا الكثير من المشاكل الأسرية، مبينةً أن العديد من الآباء والأمهات تنعدم لديهم هذه الثقافة ليس لعدم إيمانهم بأهمية الحوار، وإنما لأنهم لم ينشؤوا عليها ليجدوا صعوبة بالغة في تطبيقها، فدائماً يعتريهم الشعور بالعزة حينما يجادلهم أحد الأبناء لسبب ما أو حينما يطالب بتفسير أمر أو قانون معمول به في المنزل، فتكون النتيجة معاقبة هذا الابن لجرأته ووقاحته، ذاكرةً أن كل ذلك له التأثير العميق على الأبناء مما يسبب لهم انعدام في الشخصية واهتزازها، إضافةً إلى العنف المكبوت الذي ينتظر موقف ما لينفجر، مشيرةً إلى أنه حينما يكبرو ينقلو هذه الأساليب الحوارية لجيل أطفالهم، حينما يكون العنف اللفظي والجسدي سيد الحوار. صراع حواري وذكرت أميرة البقمي -معلمة- أن المجالس الحوارية سواء كانت في المنزل أو العمل أو البيئة التعليمية دليل على التقدم الواضح في الفكر الإنساني، عبر حل المشكلات بالعقل لا بالقلب، مضيفةً أن أكبر مشاكلنا في التواصل هو اعتقادنا بأننا نملك الحقيقة الكاملة والرأي الأصح دون الآخرين، وأننا أقدر على فهم كل شيء وتحليل كل شيء وفقاً لأهوائنا، مضيفةً أن ذلك هو الحاصل في مجتمعنا والدليل على ذلك وسائل التواصل الاجتماعي والتي تظهر انعدام ثقافة الحوار، فشعار المستبد هو إن لم تكن معي فأنت ضدي، فيعتري هؤلاء لذة النصر اللحظية حين يدخل في صراع حواري مع أحدهم، فالتفاوض آخر ما يفكر به هؤلاء فهدفه الأسمى ليست الفكرة والموضوع وإنما كيف يغلبك، لافتةً إلى أن التفكير بأن الطرف الآخر هو عدو تسعى لتهديمه وإخضاعه لا يُعد حلاً للمشكلة، حيث ينحرف الحوار إلى شتائم وقذف علني بسبب علة نفسية يعانيها أحدهم. مجالس طلابية وقالت ريما الشلاش -طالبة جامعية-: إن المجالس الطلابية هي الخطوة الأولى لتعزيز مفهوم الحوار لدى الجيل الحديث، فهي لا تقتصر فقط على الجامعيين وإنما يفترض أن تكون شاملة لجميع المراحل الدراسية، مضيفةً أن هذه المجالس تحقق العديد من الأهداف الحوارية التي من شأنها تغيير فكر الشباب حول تقبل الآراء والأخذ بصوت الأغلبية وطرح المشاكل والحلول بطريقة متقدمة وحضارية، مضيفةً أننا نجد في الكثير من أبنائنا التردد واهتزاز الشخصية وانعدام الثقة، لذلك يمكن لهذه المجالس تعزيز الثقة بالنفس والمهارات الإدارية والقيادية والانضباط، ما لم ينشأ الشاب أو الشابة على ثقافة حوارية في المنزل قد تكون المدرسة علاج لذلك، مبينةً أن احترام الآخرين ومراعاة مشاعرهم وإيصال المعلومة لهم تحتاج إلى طريقة وأسلوب متقدم لحل المشكلة. نقطة البداية واتفقت معها سمر القحطاني -طالبة جامعية- قائلةً: إن مشاركة الطلاب بأمور إدارية وقيادية وتعليمية من شأنه زرع المسؤولية داخل نفوسهم، الأمر الذي يساهم في خلق جو تعليمي سامي واهتمام من قبل الطلبة في تحصيل العلم، كما تلعب هذه المجالس دور محوري في تخفيف الضغوطات والمشكلات بين المعلمين والإدارة المدرسية وبين الطلبة أنفسهم، إذ إن الطلبة المنتخبين تكون لديهم شعبية كبيرة بين زملائهم، ويمكن استغلال هذه الميزة في حل وإنهاء الخلافات وتسييس الطلبة نحو الطريق الصحيح إلى الإدارة أو العمادة، مشيرةً إلى أن هذه المجالس نقطة البداية لمجتمع تقل فيه لغة الحوار، فالطالب لا بد أن ينقل تحصيله الاجتماعي والتعليمي إلى المنزل وتأثيره الكبير على أهله وأخوته. غرس المفهوم وأوضحت آمال طالب -تربوية- أن شبابنا وشاباتنا أدركوا أهمية الحوار مؤخراً وهو ما أوجد تنافساً كبيراً بين الطلبة الجامعيين لإثبات قدراتهم السلوكية والإدارية لتولي مناصب مجالس الطلاب بطرق حضارية، إضافةً إلى استخدام هذه المجالس لتوصيل رسائل لطرفين بطرق ودية وراقية، حيث تركز الكثير من الإدارات المدرسية باستخدام الطلاب الأكثر شعبية في توصيل رسائل غير مباشرة، مبينةً أنه يجد الطلاب الجامعيين أن المجالس الطلابية متنفساً وحيداً لإيصال مطالباتهم إلى العمادة، حيث يرتفع حس المسؤولية من ناحية التحصيل العلمي لدى هذه الفئة، لذلك نجد أن هدفها في الجامعات مختلف، مؤكدةً حرص الدولة على غرس مفهوم الحوار في مركز الملك عبدالعزيز للحوار الوطني الذي يتوجب على كل منظمة تعليمية وتربوية إرسال طلابها للتعرف على هذه البيئة الداعمة للحوار بين أفراد مجتمعها. تعلّم الموازنة واتفقت معها حصة الجار الله -معلمة- حول أهمية هذا النوع من النشاطات لشبابنا قائلةً: إن تشكيل الثقافة العامة في الحوار وتطوير الفكر والمنطق، وتعلّم الموازنة بين أهمية العلم والشغف بالانكباب من منابعه تتطلب نوع من النشاطات الجديدة منها المجلس الطلابي، ومجالس الحي والمنزل، ولا ننسى أهمية الاختلاف في الرأي والحفاظ في الوقت نفسه على الحق واحترام الرأي المضاد، والتي للأسف نفتقدها في مجتمعنا، فإذا لم تكن معي فأنت ضدي!، مضيفةً أنه مازلنا نتمسك بثقافتنا الأحادية والتي أعني بها انعدام الحوار وتشبث الجميع برأيه سواء كان صائباً أو مخطئاً وعدم التفكير بزاوية الآخر، ذاكرةً أننا لا نحتاج لمناهج لتدريس هذه الثقافة وإنما لأنشطة كالمجالس بتنميتها واقعياً، بحيث يخوض الشباب هذه التجارب من تلقاء أنفسهم لينشروا بعدها ثقافة الحوار وجعلها معياراً للسلوك العام. البُعد عن هيمنة فرض الرأي يقود إلى حوار ناجح المجالس الطلابية داخل المدارس والجامعات تغرس قيم الحوار السليم لدى الشباب