تمر عدد من الدول العربية في المشرق والمغرب بحالة احتقان شعبي مطالبة بتغيير أنظمتها، والاستسلام لإرادة شعوبها، بعد أن تفشى فيها الفساد، وسَادَ التعامل الحكومي مع مطالب الناس بشيء من العنف، بديلاً للحوار والتفاهم على ما يصون دماء المحتجين. * * ولم يكن أمام شعوب هذه الدول من قدرة لمواجهة هذه الأنظمة أو بعضها إلا من خلال المظاهرات السلمية التي ما أن يطول زمنها ويمتد مَداها، فإذا بها تتحول إلى مظاهرات صاخبة، طابعها العنف، ودون أن تنجح الأنظمة في فضها بالقوة وبالسلاح إن تطلَّب الأمر ذلك. * * والغريب المريب، أن هذه الأنظمة لم تتعلم من سابقاتها، ولم تستفد من الدروس في الدول الأخرى، وقد كانت نهايتها استسلام عدد من الأنظمة لآراء شعوبها، ولكن بعد أن تم تخريب دولهم، ووفاة المئات من المتظاهرين ومعهم أعداد من رجال الأمن وقوات الجيش، وقد جاء القبول بمطالب شعوبهم متأخراً، وفي غير توقيته الصحيح. * * ومن المؤكد أن هذه الأنظمة لو تعاملت مبكراً مع مطالب مواطنيها بشيء من الحكمة والواقعية وحسن التصرف، وليس بعد فوات الأوان، لكانت الأضرار أقل، والحلول متاحة لتجنب كل الأطراف والدول ما لحق بها من أضرار. * * غير أن إصرار هؤلاء على التمسك بكراسي الرئاسية، دون إعطاء الحق للشعوب بأن يُستجاب لمطالبها المشروعة، مع استخدام القوة في التعامل مع كل مطلب، بما في ذلك منع المظاهرات وعدم القبول بأي تغيير ترضى عنه هذه الشعوب، هو ما فجَّر ويفجر مثل هذه المظاهرات، ويمنحها القوة لإحداث التغيير المطلوب. * * وبين القبول بالتغيير ورفضه، لاحظنا كمًا من القتلى والمصابين بسبب عناد هذه الأنظمة، وعدم إصغائها لمطالب شعوبها، مع أن خيار التغيير أمر لا مفر منه إن اليوم أو غداً، فالدول متى احتاجت إلى إصلاحات ولم تتحقق، ومتى ما تفشت ظاهرة الفساد فيها ولم يتم التعامل معها كما ينبغي، فإنه لا حلول عندئذٍ إلا من خلال ما نراه في هذه المسيرات الاحتجاجية. * * لقد أصبحت بعض الدول العربية تمثل حالة أو ظاهرة في تململ شعوبها من الأوضاع السائدة فيها، والمعنى أن على أنظمة هذه الدول أن تعيد النظر في سياساتها، وتراجع أوضاعها، فرئيس هذه الدولة أو تلك ما كان له أن ينتخب رئيساً في دولته لو لم يكن قد قَبِل بأن يكون في خدمة مواطنيه لا ضدهم. نقلا عن الجزيرة