احتفل الوطن في يوم الجمعة الماضي باليوم الوطني، الذي يصادف يوم 23 سبتمبر من كل عام. ومن تابع المناسبة واحتفاء المواطنين لا شك أنه لاحظ التعبير العفوي من عامة الناس في يوم توحد الوطن في كيان واحد بعد شتات وفرقة وخلافات بين المناطق والقبائل وسائر المكونات الاجتماعية. توشح العلَم ومسيرات السيارات والألعاب النارية كانت أبرز مظاهر التعبير عن الفرحة في هذه المناسبة. هذا على الصعيد العام، لكن الإعلام بما كتب أو قيل عن المناسبة شكَّل إحدى صور التعبير ليظهر الجميع مشاعرهم بالطرق المناسبة التي تحافظ على النظام ولا تتسبب في إيذاء الآخرين، وهذا تصرف حضاري يجب أن يكون ديدننا في هذه المناسبة وغيرها، التزاما بتوجيهات ديننا الحنيف الذي حث على حسن الخلق والتصرف. امتدادا لهذا الشكل من التصرف الحضاري، أرى أن نستغل هذه المناسبة في كل عام لنجعلها نقطة انطلاق لمراجعة شاملة لكل مجالات الحياة، ندقق فيها ما أنجزنا وما لم ننجز، لنعرف الإيجابيات والسلبيات والنجاحات والإخفاق وأسبابها إن وجدت. هذه المراجعة تكون للخطط والأهداف التي رسمناها في السنة التي قبلها، وليس عيبا أن نجد بعض الأهداف لم يتحقق، أو تحقق بشكل جزئي، لكن المهم أن ندرك أننا أخفقنا، ونسعى لمعرفة مواطن الخلل، سواء كانت مادية، أو بشرية، أو تنظيمية. الوطن القوي الذي نسعى جميعا لتحقيقه، كما قال خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان، يتطلب في نظري وعيا رسميا، وشعبيا بأهمية القوة في المجالات كافة، لكن تحقيق القوة يتطلب نظاما تربويا قويا يتم من خلاله، وبه إيجاد جيل قوي الإيمان بربه، مدركا مكانة وطنه على مستوى العالم، وبالذات في نفوس المسلمين، مع ما يعنيه ذلك من سعي حثيث لاكتساب المعرفة في كل الفنون، والإسهام في تطويرها. النظام التربوي القوي ركائزه القيم، والمعرفة، والمهارات، ومنومن ثم استثمارها في بناء الوطن.معالم بناء الوطن تتمثل في اقتصاد متين متنوع المصادر، بحيث لا تقتصر على مصدر واحد، نعلم يقينا نفاده في يوم من الأيام، كما أن قوة الاقتصاد تقتضي توفير المال العام والمحافظة عليه، وصرفه في مصارفه المهمة والأساسية، مع تجنب البذخ والإسراف. أما المعلم الثاني من معالم القوة فيتمثل في القوة العسكرية لحماية الوطن من الطامعين في مقدساته وثرواته، إضافة إلى إيلاء التصنيع الحربي الاهتمام الواجب لنصنع سلاحنا بأيدينا، ونؤسس ثقافة تصنيع لأجيالنا القادمة. المعلم الثالث يتمثل في منظومة القيم المتماسكة الأصلية غير المستوردة الضاربة بجذورها الإسلامية والعربية، من أجل استمرار تماسك أبناء المجتمع بعيدا عن كل مصادر الفرقة، والنزاع. العلم سلاح الأمم، وما من أمة أخذت بزمامه إلا نجحت، وتقدمت، وما من أمة أهملت العلم إلا أصبحت في ذيل قائمة الأمم. العلم بجانبيه النظري والتطبيقي أساس التنمية السليمة، وبهدف تحقيق القوة المنشودة يلزم تقويم المنظومة التربوية بكل عناصرها وإزالة ما علق بها من ممارسات وركود في الأنظمة والمناهج والممارسات وحتى السياسات التربوية. الحرص على الوطن، ومكتسباته التنموية، والسعي للمحافظة عليها يتحقق باحترام الأنظمة الخاصة بها، وهذا يتحقق في المنزل، والمدرسة، والمسجد، ووسائل الإعلام، بدلا من برامج السفه والميوعة وضياع القيم. والإعلام في عصرنا الحاضر قوة ضاربة، وإن كانت ناعمة، فبها تشكل العقول، وتبنى وتغير الاتجاهات بصورة إيجابية، أو سلبية. الشارع، والمدرسة، والحديقة، والمسجد، والنادي، ومبنى الشرطة، وأي دائرة حكومية، كلها ممتلكات عامة، تخدم الجميع، لذا لا بد من المحافظة عليها ليستفيد منها الجيل الحالي والأجيال المقبلة. ما أحوجنا لبناء ثقافة يوم وطني سماتها الشفافية والمساءلة والمحاسبة لنحمي بلدنا، ونحافظ على ثرواتنا، ونحصن أبناءنا. نقلا عن الاقتصادية