أسوأ ما يمكن تصوره أن ترى إنسانا يرى نفسه أنه، بشخصه، وأعماله، وأفكاره، هو المظهر النقي والوحيد للإسلام، وللحق المطلق، وأن كل العالم من حوله هم خارجه، وبعيدون عنه، هذا كأنه مرض - الحلول - الذي مني به الحلاج في تماهيه في الذات الإلهية. حتى بات يصيح (سبحاني ما أعظم شأني) لأنه يرى الله هو نفسه، ونفسه هو الله. جل وعلا سبحانه. وهنا قوم يعتقدون بنية طيبة أن أي نقد لأفعالهم، هو نقد للإسلام مباشرة، وأن أي رفض لفعل من أفعالهم، هو ردة عن دين الله، وكفر بما أنزل من أحكامه. الفرقة الناجية ليس بوسعها أن تنتقد ذاتها، ولا أن تتقبل النقد لها، مهما كان رقيقا، أو موضوعيا، أو يستند إلى مبررات منطقية، وأدلة رشيدة. لأنه يزيل مفهوم الخلاص والنجاة الذي يكون حقيقتها. الفرقة الناجية، تدور مع الناس في عقائدهم، مدار القطب من الرحى، يزعم الكاثوليك أنهم الفرقة الناجية وحدهم، ويزعم البروتستانت أنهم الناجون وحدهم في نظر أنفسهم، ويزعم اليهود أنهم وحدهم شعب الله وأحباؤه، ولن يعذبهم الله بذنوبهم لعظيم محبته لهم، ولكونهم الصفوة من خلقه، ولا تبعد كثيرا الفرقة الناجية عند بعض السلفيين القدامى، عن - حديث الطينة - عند الشيعة بالقول إن الشيعة خلقوا من فاضل طينة أهل البيت، فهم من طينة تختلف عن سائر الطين الذي صنع منه سائر الخلق. إن العقل الديني الذي يتحرك من التمثيل الوحيد للحق ينطلق من مبدأ وماذا بعد الحق إلا الضلال، ومن قاعدة أن النور واحد والظلمات متعددة, وأن الإيمان يقتضي اليقين الجازم. رغم أن هذه الآيات هي في خطاب الله الثابت لخلقه، وليست في اجتهاد المخلوق وفهمه. مبدأ عصمة المعتقد، والفرقة الناجية، ليس مختصا بفئة ولا جماعة ولا دين محدد، فالفرق والطوائف عبر الأزمنة والتاريخ كان معظمها يرى نفسه الفرقة الناجية. ولكن في كتاب الله التأكيد المتكرر على أن الإيمان الذي يتصف بالنجاة هو الذي يقترن بالعمل الصالح، وهو الشجرة المباركة التي أصلها ثابت وفرعها في السماء وبهذا يمكن أن نجعل ونفهم الفرقة الناجية كمفهوم -التفاضل والتكامل - بين المجتمعات وليس الاستئثار بالحق, ولا الصراع, ولا احتكار الشرعية، بل تعني أن كل طائفة من المسلمين يتعين عليها أن ترتقي وتتسامى وتتطهر في كل شيء في أخلاقها، وصدقها، وطهارة باطنها وظاهرها، لتكون هي فعلا الفرقة الناجية بين يدي الله، وأن المضمار هنا في طهارة الباطن، والباقيات الصالحات، وعمارة الأرض، وخدمة الخلق، وليس في شيء آخر غير هذا في السباق إليه بالعمل الصالح، والكلم الطيب الذي يرفعه الله إليه. لكون القواعد القرآنية تركز على أن من يعمل مثقال ذرة خيرا يره, ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره، وأن الله لا يضيع أجر من أحسن عملا من ذكر أو أنثى نقلا عن الاقتصادية السعودية