انتظر العالم كثيرا قبل أن يكتشف عالم الفيزياء رذرفورد التركيب الحقيقي للذرة عام 1911.. والذرة هي أصغر مكونات الخلق وتتكون أساساً من الشحنة الموجبة (وهي النواة التي يمكن تمثيلها بالشمس) والشحنات السالبة (وهي الإلكترونات التي تدور حولها مثل الكواكب) وبالتالي يمكن القول إن الذرة في تركيبها الداخلي تشبه "النظام الشمسي" رغم صغر حجمها وضآلة وزنها ... والمدهش هنا أن علي بن أبي طالب رضي الله قال "إذا فلقت أي ذرة تجد في قلبها شمساً" !! وهذا القول استشهد به المحرر العلمي لجريدة هيرالد تريبون (جون أونيل) في كتابه "قصة الهندسة النووية" وأبدى دهشته من بساطته ووضوحه وتنبئه بفلق الذرة !! ... وقبل أن نستطرد أكثر أشير أولا الى أن حديثنا اليوم لا يتعلق بتفاعلات "الذرة" أو تقنيات تفجيرها، بل عن وجودها كفكرة فلسفية (وكأصغر بنية مُكونه للخلق).. والحديث في هذا الجانب قديم قدم الفكر الانساني نفسه وتحدث به علماء الإسلام وقبلهم فلاسفة اليونان .. ومثل فلاسفة اليونان اختلف الفلاسفة العرب في ما إن كانت المواد تتجزأ بلا نهاية أم تتجزأ حتى الوصول إلى أصغر وحدة بناء أساسية (تعرف بالذرة)... فمِن الذين قالوا بأنها تتجزأ إلى مالا نهاية : الفارابي في كتابيه "عيون المسائل" و"كلام في الجزء وما يتجزأ" وابن سينا في كتبه "الإشارات" و"عيون الحكمة" و"النجاة" .. وكثيرون ممن قالوا قولهما كابن الهيثم والكندي وإبراهيم النظام ! أما الرأي الآخر فهو رأي الذين قالوا بالوصول إلى أصغر بنية في المادة لاتقبل التجزئة بعدها واطلقوا عليها اسم "الجوهر الفرد" .. ومنهم : أبو هذيل العلاف ، وهو من أوائل المتكلمين عن " الجوهر الفرد " . وابن حزم الذي أورد خمسة أدلة لإثبات عدم تجزّؤ " الجوهر الفرد " . وهشام الفوطي الذي عاش في حكم المأمون في رسالته "إثبات من لايتجزأ" ... كما وافق هذا الرأي بعض المتصوفة مثل فريد العطار الذي قال "الذرة فيها شمس، وإن شققت الذرة وجدت فيها عالماً وكل ذرات العالم في عمل لاتعطيل له" وهذا شرح لتركيب الذرة لم أجد أفضل منه !! ... وفي الواقع ما ألهب خيال المسلمين للتفكير بوجود الذرة الآيات التي تتحدث عنها في القرآن الكريم؛ فقد تكرر ذكر "الذرة" بما يفهم منه أنها أصغر جزء يمكن تصوره أو الوصول إليه في المادة ؛ مثل قوله تعالى: « إن الله لايظلم مثقال ذرة». «فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره». « وما يعزب عن ربك مثقال ذرة ». «عالم الغيب لايعزب عنه مثقال ذرة في السموات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر». ... والمدهش هنا ليس فقط الإشارة إلى وجود "الذرة" بل وفي إقرار أنها جسم مادي له وزن ومثقال (والوزن يمكن تحوله لطاقة عظيمة حسب نظرية انشتاين بخصوص الطاقة والكتلة) .. ويؤيد هذا الاستنتاج الإشارة في قوله تعالى "ولا أصغر من ذلك" إلى وجود ماهو أصغر من الذرة الأمر الذي لا يحدث من وجهة نظر علمية إلا بعد انشطارها وتحولها إلى طاقة !!! ... من المدهش فعلا أن يتحدث الإسلام عن وجود الذرة قبل اكتشاف رذرفورد لبنيتها بألف وثلاثمائة عام .. ومن المخجل أننا عجزنا عن تفجيرها واستثمار طاقتها حتى الآن!!