عامان ونصف العام والتعليق على المشهد السوري المؤلم يدور حول الغرب الذي نأى بنفسه عن التدخل العسكري لنجدة المدنيين كما فعل حلف الناتو في ليبيا، واكتفى بتصريحات تناهض وحشية النظام السوري الذي ابتدع الأعاجيب في تخويف الناس وتعذيبهم وتصفيتهم. عدا عن التصريحات، لم يأت ما يذكر من الدول الغربية التي أرست مبادئ العدل وحقوق الإنسان، وتمتلك قوة عسكرية نافذة تستطيع أن تغير معادلة العراك على أي أرض. قيل إن سوريا بلد موارده محدودة لا تستطيع أن تدفع فاتورة الحرب كما ليبيا أو الكويت، ولا يمثل بشار الأسد رغم وحشيته أي خطر مباشر على الولاياتالمتحدة كما كان حال طالبان باكستان، أو غير مباشر كصدام حسين. سوريا لا تملك أي محفزات تثير شهية الغرب للتدخل العسكري حتى ولو على أقل المستويات، كفرض منطقة عازلة تحمي المدنيين الهاربين وترفع الروح المعنوية للثوار وترسم خطا دوليا فاصلا يسهم في لملمة صفوفهم. لا شيء حتى القليل. لكن ما يثير الاستغراب أن مصر كذلك لا تملك نفطا ولا موارد، ووضعها الاقتصادي لا يسمح بدفع فاتورة رحلة بارجة إلى قناة السويس، لماذا إذن تراكضت أميركا والأوروبيون للدفاع عن حكم «الإخوان المسلمين»، وتغاضوا تماما عن الرغبة الشعبية الهائلة التي شاهدوها وشهدوها في الثلاثين من يونيو (حزيران) والرافضة حكم «الإخوان المسلمين»؟ قبل عزل مرسي كانت تصريحات السفيرة الأميركية السابقة في القاهرة آن باترسون تتجاوز الأعراف الدبلوماسية وتدخلا صريحا في السيادة المصرية برفضها الرأي الشعبي وتجاهلها الحشود المليونية التي كانت تمر بجانب نافذة مكتبها تنادي بعزل مرسي. سوريا المغلوبة، ليست فقط بلا نفط، بل بلا حلفاء. «الإخوان» في مصر أرسوا خطة للحكم تتعارض كلية مع المبادئ الأخلاقية لواشنطن والدول الأوروبية في ترسية الديمقراطية، وخلال حكم «الإخوان» تغاضت هذه الدول عن تجاوزات لا تمت للعمل الديمقراطي بصلة، كإقصاء الأطراف السياسية الأخرى وتفصيل دستور يتماشى مع الهوى الإخواني ويجذر سلطتهم إلى الأبد. بل تغاضت عما هو أسوأ حينما بادر مرسي بإطلاق وحوش الإرهابيين من السجون. في سوريا المغلوبة لا مكان لمثل هذه المشاريع، بل تحولت إلى حلبة ملاكمة بين طرفين أي منهما سيكون المنتصر ستقبله واشنطن: إن هزم الجيش الحر، ستظل إسرائيل آمنة في ظل نظام الأسد، وستقوى شوكة الإيرانيين فلن يعودوا بحاجة إلى ترسانة نووية لأنهم سيحكمون سيطرتهم على العالم العربي من دون الحاجة لسلاح نووي.. وإن هزم بشار الأسد سيأتي نظام ليس له بد من علاقة جيدة مع واشنطن وضمانة لأمن إسرائيل. وحتى تتحقق إحدى النتيجتين سيكون من الأفضل إطالة أمد الحرب قدر المستطاع، أيضا لضمانة أمن إسرائيل. أوباما منذ مجزرة الكيماوي في الغوطة وهو يقدم رجلا ويؤخر أخرى، وأحرج بسبب حديثه عن الخط الأحمر، وعليه اليوم أن يثبت مصداقيته أمام العالم، كارها مرغما. ولندن تجد نفسها غير ذلك، ولهذا السبب كان استعراض مجلس العموم الذي شهدناه مسرحية جميلة للديمقراطية، في حين، وليعذرنا الإنجليز أهل الديمقراطية، أن مداولاتهم المثيرة للإعجاب في مجلس العموم تظهر ديمقراطيتهم في شكلها الجميل لكنها في هذه القضية لا تختلف عن ديمقراطية مرسي، لأنها بعيدة عن تحقيق أهدافها الموضوعية. في عام 2003 جرى استطلاع رأي في أميركا حول التدخل العسكري للإطاحة بصدام حسين، وجاءت نسبة الاستطلاع رافضة بالأغلبية، ومع هذا لم يعرهم جورج بوش اعتبارا. وفي بريطانيا جرى الاستطلاع نفسه وحصلت النتيجة نفسها ولم يلتفت إليهم توني بلير ودخل غازيا إلى العراق. لذلك ليس من المستغرب أنهم لا يقيمون وزنا للملايين التي اكتظت بها شوارع القاهرة مطالبين بعزل مرسي، هم في النهاية لا يشكلون مواقفهم بناء على الرغبة الشعبية التي تعطي صناديق الانتخاب قيمة، إنما يتمسكون بمعرفة الرأي العام ويظهرون تقديرهم له لأن الديمقراطية الشكلية تماشت مع مصالحهم، أما الديمقراطية الحقيقية فكانت علة جاز القفز عليها عند الضرورة. نقلا عن الشرق الاوسط