قبل أكثر من شهر استضاف مركز ودورد ويلسون للأبحاث والحوار بواشنطن ندوة بعنوان: هل يسهم الربيع العربي في تهميش المرأة؟ وللإجابة على هذا التساؤل استضاف المركز عددا من السيدات للحديث عن واقع المرأة العربية في ظل التغيرات التي شهدتها المنطقة ومن بينهن رند الرحيم (سفيرة سابقة للعراق بالولايات المتحدة) ورولا دشتي (النائبة السابقة بالبرلمان الكويتي)، وقد تحدثت كل منهما عن وضع المرأة في بلادها والمنطقة. والسؤال أعلاه ما كان ليُطرح برأيي بهذا القلق والحدة لو أن من أتت بهم – أو ستأتي- بهم هذه الثورات لم يكونوا من التيار المحافظ. فهل يشكل هذا التيار فعلا تهديدا لحقوق المرأة ويعيق تمتعها بالمواطنة الكاملة في مجتمعها؟ أجوبة السيدات من المنطقة العربية كانت تقول: نعم، لا سيما النائبة رولا دشتي الذي بلغ تحاملها الحد الذي طالبت فيه بألا يُسمح لأصحاب الشعارات الإسلامية وما يسمى بحركات الإسلام السياسي بخوض اللعبة الديمقراطية في مصر من أجل حماية الديمقراطية! فهي تعارض الرأي القائل بأنه آن الأوان بأن تتم تجربتهم فإن نجحوا كان بها وإلا فهي فرصة لتعرية شعاراتهم أمام الشعب الذي سيبدلهم في المرة القادمة، لأنها تعتقد أنه بمجرد أن يصل هؤلاء إلى سدة الحكم فسيستولون على السلطة ويمنعون تداولها. أما رند الرحيم فقد كانت أكثر اعتدالا وموضوعية من زميلتها، واعترفت بأن الشعوب العربية لم تجن حتى الآن من الأنظمة العلمانية سوى الدمار، فطبيعي أن يرغبوا في اختيار نقيضها. وخلاصة الندوة هي أن الثورات العربية التي خلّصت الشعوب من الحكام المستبدين ليست بالضرورة مخلصة للمرأة العربية من راهنها الصعب الذي تعكسه الأرقام، سواء في التعليم أو البطالة أو الصحة أو العنف الأسري والسياسي. وللتعليق دعونا نقول ابتداء إننا هنا أمام قضيتين: الإسلام والمرأة، والمسلمون المحافظون (المعروفون في الإعلام بالإسلاميين) والمرأة. أما الإسلام والمرأة فمما لا شك فيه بأن تعاليمه السمحة قد تضمنت تكريما عظيما لها، وما من تشريع بشري سيكون أفضل من التشريع الرباني لخالقها، وإن كانت هناك أمورٌ تبدو ظاهريا وكأن فيها ظلما للمرأة، فهي مسؤولية العلماء الربانيين والدعاة المتمكنين من توضيح هذه الأحكام الفقهية للعامة، والعمل على نشر الثقافة الإسلامية الصحيحة بديلاً عن العادات والتقاليد والتي ترتدي زورا لباس الدين. أما القضية الثانية وهي موقف فئة عريضة من المحافظين من المرأة، لا سيما من لهم تأثير اجتماعي أو سياسي، فأعتقد بأن بعض ما خلصت إليه الندوة من مخاوف – للأسف - لها ما يبررها. فلسبب ما حين يتعلق الأمر بالمرأة فإن الشخص الذي يرفع شعار كتاب الله وسنة رسوله يركن أحيانا إلى قول آبائه وأجداده، وحتى لو لم يكن ذلك هو الواقع بشكل كامل فإن هناك ممارسات وأدبيات أسهمت في ترسيخ هذه الصورة السلبية، وتبدو هناك رغبة بحصر دور المرأة في نطاق المنزل بغض النظر عن رغباتها وإمكاناتها. وقد شهدنا في الأردن كيف وقف الإخوان المسلمون وقفة غير مشرِّفة مع تجريم قتل الشرف رغم منافاتها الصارخة لتعاليم الشريعة. والأمر نفسه حصل مع قضية ختان الإناث في مصر والسودان، فمع أنه أمر مباح في الشريعة، لكن الطريقة التي يمارس بها في هذا العصر والأضرار المترتبة عليها والتي وصلت للوفاة تجعل منعه مبررا، إلا أنه مرة أخرى تم غض الطرف عن هذه الممارسة، والأمر عينه يتكرر مع قضايا زواج الصغيرات في اليمن. وفي السعودية أيضا فإن نسبة كبيرة من المنتمين للتيار المحافظ يعارضون الكثير من الإصلاحات المتعلقة بالمرأة، فقد كانت هناك معارضة شديدة لتعليمها وعملها، وما زالت هناك ممانعة لقضية لتوفير المزيد من فرص العمل، حتى لو كان في ذلك تعارض مع مقاصد الشريعة العليا استنادا إلى قاعدة سد الذرائع. ولا يبدو الوضع أفضل حالا بعد الثورات، فرئيس المجلس الوطني الانتقالي في ليبيا مصطفى عبدالجليل كان من أول ما تفوه به بعد إطاحة نظام القذافي هو "إن أي قانون مخالف للشريعة الإسلامية هو موقوف فورا، ومنها القانون الذي يحد من تعدد الزوجات". ومع أن الجزء الأول من العبارة لا غبار عليه إلا أن اختياره لقضية تعدد الزوجات كمثال لم يكن موفقا، وعكس عقلية ذكورية بحتة مع إهمال لاحتياجات المرأة الليبية. وبالرغم من هذه المواقف غير الموفقة لبعض من يرفعون الشعارات الإسلامية، فإن الكثير من النساء ما زلن يدلين بأصواتهن لصالح الحركات والجماعات الإسلامية، وهي ظاهرة تثير استغراب البعض لا سيما في العالم الغربي. والسبب وراء ذلك بسيط لمن يعرف تاريخ وثقافة المنطقة جيدا، فالمرأة العربية بشكل عام لديها تدين فطري ولذا لا تثق بالليبراليين، وتعتقد بأن الكثير من طروحاتهم مستوردة وغريبة على بيئتها ولا تنسجم مع تربيتها، وبالتالي ما تريده هو الشرع بنهجه الصحيح في كافة مناحي الحياة، فهي تصوت لهم متأملة بأن يأتي من يضع الأمور في نصابها العادل. لكن مؤخرا بدأنا نشاهد بأنه ليست كل النساء المسلمات المحافظات على استعداد لرحلة الصبر الطويلة هذه دون ضوء في نهاية النفق. فالتقنيات الحديثة التي سهلت قيام الثورات التي هي بالأصل شبابية أفرزت لنا جيلا من الشابات الواعيات الرافضات لتهميشهن بعد ثورات كن هن أول من أسهم في إشعالها، فالناس عرفت أسماء محفوظ وإسراء عبدالفتاح في مصر قبل أن تعرف وائل غنيم. ولا يستطيع أحد أن ينكر للحظة دور توكل كرمان في ثورة اليمن. هؤلاء النسوة كما شاهدنا في مصر رفضن التصويت للسلفيين ورفعت بعضهن شعار: "لن أعطي صوتي لمن يعتبره عوره!". والأجيال القادمة ستكون أكثر جرأة في المطالبة بحقوقها، وبالتالي فنحن هنا بين عدة خيارت. فإما أن ينتفض المحافظون، وهناك فرص تاريخية لمن وصلوا للحكم في تونس ومصر وليبيا، فينقوا الإسلام الذي يُمارس في المجتمعات من شوائب العادات السيئة، ويكون موقفهم داعما للحكم الإسلامي أينما كان. وإن لم يحصل ذلك فسيكون هذا مدعاة لنشوء جماعات إسلامية جديدة من الشباب متعافية من مساوئ الإرث القديم. وفي حالة لم يتحقق أي من الأمرين، فقد ينتهي الأمر إلى خروج الشباب - لا سيما من النساء - من عباءة المحافظين، ليصحبوا مستقلين، أو لينضموا تحت لواء المجموعات الأخرى، والزمن وحده كفيل بمعرفة أي الخيارات سترى النور. نقلا عن الوطن السعودية