تمحورت المقالات والمقابلات الصحفية والوثائق التي تضمنها كتاب «ثورة عربية جديدة» وسبق نشرها في مجلة «فورن أفيرز» على إثر اندلاع ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا وسوريا - ونقوم هنا بترجمة مختارات منها – حول محاولات إجابة النخبة من المفكرين والباحثين الإستراتيجيين في الغرب على أسئلة مثل: ماذا حدث ؟ .. ماذا تعنى ؟ .. وماذا يجب أن يفعله المفكرون الغربيون ليتفهموا الثورة العربية ؟.. أو بمعنى آخر ما يتعين عمله لتلافي أو التقليل من الآثار السلبية المحتملة لتلك الثورة على مصالحه ومستقبل علاقته بالدول التي تعرضت لهذه الثورة انطلاقًا من الحقيقة بأن الدافع الحقيقي لهذه الدراسات لم يكن التأكد من أنها ستصب في اتجاه تحول المنطقة نحو الديمقراطية والحريات، وإنما مدى ما يمكن أن تؤدي إليه من تأثيرات على مصالحه الاقتصادية والإستراتيجية في المنطقة التي تشكل شريانًا نفطيًا وملاحيًا وجيو-سياسيًا هامًا على الخريطة الدولية. في هذه الحلقة الثالثة (الأخيرة)، نستعرض مقالة حول العلاقة بين ثورات الربيع العربي وحقوق المرأة، ومقابلة مع د.رشيد الخالدي حول تأثير ثورة الربيع العربي على القضية الفلسطينية. هل ثورات الربيع العربي نذير شؤم لحقوق المرأة؟ كاتبة هذا المقال إيزابل كولمان هي مديرة برنامج المرأة والسياسات الخارجية بالمجلس (مجلس العلاقات الخارجية)، وقد نشر في صحيفة الواشنطن بوست في 20 فبراير 2011. تقول الكاتبة إنه في غمرة احتفالات جماهير الثورة في مصر وتونس بعد الإطاحة بحسني مبارك وبن علي، كانت المرأة في هاتين الدولتين تخوض احتجاجًا جديدًا للتأكد من أن الديمقراطية التي أخذت تلوح في الأفق لن تؤدي إلى تآكل حقوقها. ففي تونس خرجت عدة مئات من النساء إلى الشارع للتعبير عن قلقهن إزاء ما يمكن أن تسفر عنه صحوة إسلامية جديدة. وفي مصر، شنت مجموعة من الناشطات في مجال حقوق المرأة حملة واسعة عندما تردد أن لجنة صياغة الدستور الجديد لن تضم بين أعضائها أي امرأة. وفي كلا البلدين، يمكن ملاحظة أنه يوجد دعم شعبي لتطبيق أكبر للشريعة الإسلامية، أو القانون الإسلامي، المستمد من القرآن والسنة. وبالطبع فإنه تجرى بين الحين والحين تغييرات في القوانين في المنطقة، ففي المغرب -على سبيل المثال- تحدد السن القانونية للزواج بالنسبة للفتاة ب 18 عامًا، فيما يسمح الشرع في دولة عربية أخرى بزواج الفتاة وهي في سن الثامنة. وتضيف الكاتبة أنه إذا ما مزج القادة الجدد في دول الربيع العربي بين الديمقراطية والشريعة فإن حقوق المرأة ستصبح عنصرًا مركزيًا في الجدال. وتسلط الكاتبة الضوء على وضع المرأة في تونس بشكل خاص، وتشير بهذا الصدد إلى قانون الأحوال الشخصية الذي استنه الرئيس العلماني الحبيب بورقيبة عقب استقلال تونس عام 1956 الذي منع تعدد الزوجات والذي منحت المرأة التونسية بموجبه نفس الحقوق في الطلاق التي للرجل، إلى جانب وضع حد أدنى لسن الزواج، وغير ذلك من القوانين التي جعلت البعض يشبهه بمصطفى كمال أتاتورك، وهو ما كان مؤلمًا بالنسبة لقطاعات كبيرة من الشعب. لكن هذا الوضع ساهم في جعل المرأة التونسية تتمتع اليوم بوضع طيب على صعيد التعليم، وعلى صعيد المكاسب التي حققتها في مجالات القانون والطب والأوساط التجارية والأكاديمية والإعلامية. وجاءت دولة بن علي التونسية بمزيد من التشدد على الإسلاميين، حيث كان من المألوف أن يستجوب الشخص دائم التردد على المساجد، كما ألقي القبض على زعماء الحركة الإسلامية ونفوا خارج البلاد، لكن ذلك لم يمنع العديد من النساء من ارتداء الحجاب على الرغم من حظره في الأماكن العامة. وتنبأت الكاتبة بأن الديمقراطية لابد وأن تضع الجماعات الإسلامية في قلب التيار السياسي التونسي، حيث عبرت بعض الأصوات المحافظة عن رغبتها في مراجعة قانون الأحوال الشخصية، في حين سارع الإسلاميون المعتدلون في دعم حقوق المرأة والتمسك بالقانون الحالي. وكان من الواضح أن محاولة فرض العلمانية بالقوة فشلت في القضاء على التدين. وتضيف الكاتبة إن الديمقراطية في مصر لابد وأن توجد نوافذ هامة للجماعات الإسلامية، وعلى الأخص الإخوان المسلمين، ففي عام 2007 أظهر استطلاع جالوب أن 64% من المصريين يؤيدون أن تكون الشريعة المصدر الوحيد للتشريع في البلاد، فيما قال 24% أنها ينبغي أن تكون إحدى مصادر التشريع .وتستطرد أنه لا تزال رغبة المصريين في تطبيق الشريعة تقابلها تطلعات قوية نحو التحديث ونفور من الثيوقراطية، وأن حقوق المرأة ستكون اختبارًا لأي حكومة جديدة. وتذكر الكاتبة بالجدل الذي أطلقته الجماعة الإسلامية عام 2007 عندما نشرت برنامجها السياسي الذي استبعدت فيه النساء (وغير المسلمين) من رئاسة الجمهورية ودعوة علماء الدين لمراجعة التشريعات التي لا تتوافق مع القواعد الدينية. كما لاحظت الكاتبة أن لجنة مراجعة الدستور لم تضم أي امرأة بالرغم من العريضة التي حملت توقيع 11 ألف توقيع امرأة إلى المجلس العسكري، وهو ما يجعل عملية الإصلاح الدستوري تحديًا حقيقيًا لحقوق المرأة لما بعد الثورة. وتضيف الكاتبة أن في صعود التيار السلفي في مصر ما يوجب قلق المرأة المصرية، لكنها تضيف أن ارتداء الحجاب أصبح مفضلًا في تونس ومصر لأسباب عدة يأتي في مقدمتها أنه تعبير عن الهوية الإسلامية، وكموقف تحدوي ضد التوجهات العلمانية السلطوية للحكومة. وتستطرد: انه مع ذهاب حسني مبارك سيتعين على الناشطين التعامل مع القضايا الخلافية التي تعرض على البرلمان بطريقة مغايرة مثل قانون المساواة في حق الطلاق بين الرجل والمرأة الصادر عام 2000، حيث يعارض الإسلاميون بشدة هكذا قرار. وتضيف، أنه في نظام ديمقراطي أكثر مرونة، سيتعين على الجماعات النسائية في تونس ومصر تشكيل تحالفات مع القادة الإسلاميين المعتدلين الذين يقدمون ترجمة تقدمية لقوانين الشريعة. وقد نجحت الجماعات النسائية في دول مثل المغرب، والأردن، في النجاح في تلك المهمة، وتحقيق دعم كبير للتشريعات التي تؤثر على قوقهن. وتضيف كولمان أنه إذا كان عالم شجاع جديد تسود فيه الثقافة الانتخابية بدأ يظهر الآن، فإنه لابد وأن تحظى جماعات حقوق المرأة بدعم الغرب دون الخوف الذي لا داعي له من تعاظم النفوذ الغربي. وتخلص كولمان في نهاية مقالها إلى أنه ينبغي على النشطاء التونسيين والمصريين معرفة أن حقوق المرأة غالبًا ما تصبح ورقة للمساومات لبعض الأجندات. ففي العراق، عين الأمريكيون مجلسًا حاكمًا لم يدخر وقتًا لمحاولة إلغاء قانون البعث العائلي التقدمي واستبداله بقانون ديني، ولولا ردود الفعل العنيفة من المنظمات الحقوقية النسائية والفيتو الأمريكي لكان في الإمكان تمرير هذا القانون. وينبغي على النساء في تونس ومصر خلال الأشهر القليلة المقبلة أن يبدين الاستعداد لمواجهة تحد مماثل. حالة الاضطراب التي خلفها الربيع العربي أثرت على القضية الفلسطينية هذه المقابلة بعنوان فلسطين والاضطرابات العربية أجرتها مجلة «فورين أفيرز» ونشرت في 25/2/2011، وهي تعكس وجهة نظر د. رشيد الخالدي أستاذ كرسي إدوارد سعيد للدراسات العربية الحديثة، و مساعد مدير مركز الدراسات الفلسطينية في جامعة كولومبيا إزاء حالة الاضطراب التي خلفتها ثورة الربيع العربي وأثر ذلك على القضية الفلسطينية. وتذكر المجلة على لسان الخالدي في التقديم للمقابلة التي أجراها برنارد جويرزمان أن الأوضاع في الوطن العربي التي خلفتها ثورة الربيع العربي، وعلى الأخص الإطاحة بنظام حسني مبارك أثارت حماس غالبية الفلسطينيين، وأن المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية - التي استمرت لفترة طويلة بدون تحقيق أي اختراق - استحوذت في السنوات الأخيرة على الجانب الأكبر من الاهتمام في الشرق الأوسط. ويستطرد أن المشهد تحول الآن وبشكل مفاجئ إلى حالة اضطراب في الوطن العربي صرف الانتباه بعيدًا عن الصراع الإسرائيلي – الفلسطيني. وشرح الخالدي رؤيته لهذا التطور من وجهة نظره كفلسطيني بالقول إنه يعتقد أن الفلسطينيين متحمسون لما حدث لأنهم شعروا أن النظام العربي القديم في الدول التي تفجرت فيها ثورة الربيع العربي كانت متواطئة مع الولاياتالمتحدة وإسرائيل. وأبدى الفلسطينيون سعادتهم بما حدث في تونس ومصر، كما أن معظم الفلسطينيين سعداء بزوال نظام القذافي، وأن ما يسمى بعملية السلام لم تكن الشيء الذي يعتقد غالبية الفلسطينيين بجدواها منذ انطلاقها في التسعينيات، وأنها لا تمت بصلة بأي مفهوم للسلام أو حل النزاع، فلم يكن هدف إسرائيل منها سوى توسيع المستوطنات في الأراضي الفلسطينيةالمحتلة، وكان من الواضح منذ البداية أن تلك المحادثات لن تؤدي إلى إعطاء الفلسطينيين حق تقرير المصير أو إقامة دولتهم المستقلة، أو وضع نهاية للاحتلال. وفي الإجابة عن سؤال حول ما إذا كان يرى بوادر انتفاضة في غزة ؟.. أجاب الخالدي بأن المظاهرات اندلعت فقط في رام الله، وكانت تعبر عن معارضة السلطة الفلسطينية، لكنهم كانوا أيضًا يطالبون بالمصالحة الفلسطينية، مؤكدًا أن أي مظاهرات في غزة ستقمع، ولكن الأرضية تهتز تحت أقدام السلطتين في رام الله والقطاع اللذين يعانيان من فقدان الشرعية، ومعبرًا أيضًا عن اعتقاده أن السلطة في رام الله تفتقر إلى التأييد الشعبي، وكذا الحال بالنسبة لحماس في قطاع غزة. وفي رده على سؤال حول وجود قادة لهم شعبية تفوق شعبية القادة الحاليين (ولا ندري عنهم؟)، يذكر الخالدي أن هناك الكثير من القادة الفلسطينيين هم في الوقت الحالي رهن الاعتقال الإداري، أو رهن المحاكمة أو في انتظار الحكم عليهم. وهناك الكثير منهم معتقلون، وأن السؤال الأكثر إزعاجا الذي كان يتلقاه حول الثورة المصرية بين الحين والآخر «من هم القادة؟ أين هم القادة؟ لماذا لا نرى القادة؟». فكان يرد أن أولئك الذين وقفوا خلف الثورة المصرية كانوا حريصين على تجنب الظهور كقادة. و»الحقيقة أعجبني قول أحد المصريين في التلفاز أن عهد الرجال الأقوياء في مصر قد ولى وولت معه تلك الحقبة من التاريخ العربي.. وربما توجد بعض المبالغة في هذا القول، ولكنني أعتقد أن ما نراه الآن في تونس ومصر هو حركة جيدة التنظيم». واستطرد: «لا أعتقد أننا يجب بالضرورة أن نبحث عن زعيم جديد، على الرغم من أن العديد من القادة المحتملين في السجون الإسرائيلية». وردًا على السؤال: إذا ما استدعاك الرئيس أوباما وطلب منك تقديم النصيحة لما يمكن أن يفعله.. فبماذا سيكون ردك؟.. يجيب الخالدي بأنه سيقترح عليه أن يعيد النظر بصورة جذرية في النهج الأمريكي حول ما إذا كان من الأجدى للولايات المتحدة اتخاذ مواقفها وقراراتها على أساس ما يتوافق عليه معظم الأمريكيين حول المصالح الأمريكية: قرار سريع ينهي هذا الصراع وينهي الانطباع السائد لدى غالبية شعوب العالم بأن الولاياتالمتحدة تقف إلى جانب الاستيطان والاحتلال وإلى جانب الإملاءات الإسرائيلية. وأنه سيقترح عليه أيضًا أن الوقت قد حان لتقرير ما إذا كنا نعتقد حقًا أن اتباع سياسة من شأنها أن تخدم مصلحة الولاياتالمتحدة، فضلا عن مصالح الإسرائيليين والفلسطينيين ستفقده أصوات الناخبين وسأكون مندهشا للغاية إذا لم تدعمه انتخابيًا لو فعل ذلك. فهذه الخطوة لو تحققت ستخدم المصلحة الوطنية للولايات المتحدة وللشرق الأوسط. وردًا على السؤال حول أسس التسوية العادلة في رأيه ؟ يجيب الخالدي أنه ينبغي التأكيد على عدم شرعية الاستيطان والاحتلال وأنه ينبغي إنهائهما بأسرع وقت ممكن. كما ينبغي التذكير بهذا الصدد بالقرار رقم 242 الذي أنهى الحرب (حرب 67) ودعا إلى إنهاء احتلال الأراضي، مع ملاحظة ما جاء في اتفاقية جنيف الرابعة بشأن عدم جواز نقل سكان ليحلوا محل سكان الأراضي المحتلة ..»العمل بهذه المبادئ يمكن أن يشكل بداية طيبة لإنهاء النزاع .وإذا ما تطرقنا إلى الاستيطان فلابد من التقرير بأنه غير شرعي، وأنه ينبغي الضغط على إسرائيل كي تواجه الحقيقة بأنه يتعين عليها الانصياع للقانون الدولي لا سيما في ظل الحقيقة بأن غالبية الإسرائيليين ضد الاستيطان وأنه يتعارض مع المصالح الإسرائيلية، ولكنهم لا يحظون بالدعم من الولاياتالمتحدة. فالولاياتالمتحدة تقف في الواقع إلى جانب الاستيطان الذي يعارضه غالبية الإسرائيليين». ويجيب الخالدي عن السؤال الأخير في تلك المقابلة: ألم يقف الرئيس أوباما بحزم ضد الاستيطان ؟ بأن خطب الرئيس أوباما «الاستيطان شىء والفيتو الذي يستخدمه في مجلس الأمن شىء آخر.. والفيتو له وزن أكبر بكثير من «الهواء الساخن» – أليس كذلك» ؟!.