تحتضن الرياض اجتماعاً لقادة مجلس التعاون الخليجي حيث تتطلع الشعوب الخليجية دائما نحو مزيد من تعزيز التعاون بينها، والحقيقة أن السمة الهادئة والمتعقلة لدول مجلس التعاون وقياداتها جعلت من قرارات المجلس خلال العقود الماضية قرارات راسخة اتخذت وبنيت وأُنضجت في مساحة زمنية تؤهلها للاستمرار والثبات وبناء أسس سياسية واجتماعية واقتصادية راسخة لدول المجلس وغير قابلة للارتداد كنتيجة طبيعية لبنائها الصحيح. ومع كل اجتماع لقادة دول المجلس يتطلع الشعب الخليجي إلى وضع لبنات جديدة في بناء دول الخليج العربي والتي أصبحت اليوم تشكل الهرم الأكبر والأقوى بين الدول العربية وقد اثبتت مؤسسة مجلس التعاون الخليجي أنها الزاوية الراسخة في السياسة العربية والدولية. دول الخليج العربي هي الدول الأكثر ثباتا واستقرارا في المنطقة العربية ليس اليوم فقط ولكن تاريخها يشهد بثباتٍ يتجاوز مئات السنين وذلك نتيجة طبيعية لعوامل مجتمعية وسياسية واقتصادية وتاريخية ، هذه العوامل تكشف عن طبيعة سياسية واجتماعية بين الشعوب والقيادات في تلك المنطقة.. ولقد أصبح من الواضح انه كلما تصاعدت الثورات العربية تماسكت الدول الخليجية لكونها تتماثل في نفس المعايير والصفات وتشترك في ذات الأهداف والوحدة. الخليج اليوم يتقدم وبشكل تلقائي إلى الصفوف الأمامية سياسيا وبشكل متسارع وخاصة مع الوضوح الكبير في تغير الخارطة السياسية في العالم العربي فالثورات العربية ساهمت في منح دول الخليج الفرصة الأكبر لتكون المربع الأكثر مساحة سياسياً في المنطقة، وفي ذات الوقت ساهمت الثورات العربية في منح دول الخليج المهمة الحقيقية لها وهي تراقب الكثير من التجارب السياسية في العالم العربي بعد سلسلة الثورات العربية المتتالية. الوقت سريع جدا والمسارات متعددة والشعوب طامحة هكذا هي المعادلة القادمة أمام دولنا الخليجية.. والاستثمار لمقوماتنا السياسية والاقتصادية والسكانية هو الهدف الوحيد الذي تسعى إليه قيادات الخليج العربي.. والوحدة الخليجية تقوى وتتماسك بشكل كبير والمشروع الخليجي السياسي والاجتماعي والاقتصادي قادم وينتظر الإعلان عنه وجعله بصورة يمكن لكل فرد خليجي أن يدركه ويعمل من اجله. الخليج العربي ودوله وبعد هذه التجربة الطويلة في مجلس التعاون الخليجي هو المنظمة العربية الوحيدة المؤهلة بشكل مطلق للقوة الاقتصادية والاجتماعية فالمشروع الخليجي هو المشروع الاقتصادي والاجتماعي الوحيد الذي ينتظر العالم ولادته كما حدث في كوريا والهند والصين ، فالثورات العربية أتاحت الفرصة أمام الدول الخليجية ذات الاستقرار السياسي والاجتماعي لأنْ تمارس دورها الحقيقي فالتعاون الفعلي بين هذه الدول خلال العقود الثلاثة الماضية ساهم وبشكل كبير في تأسيس بنية فعلية لمجالات التعاون مفتوحة ومتعددة. الخليج اليوم بدوله الست يقف أمام فرصة تاريخية لترسيخ دوله وشعوبه، والقيادات الخليجية تقدم اليوم كل ما في وسعها من اجل دعم هذه الشعوب، والمشروع الخليجي القادم هو أكثر المواليد السياسية انتظارا في هذه المرحلة فالتحولات التي أصابت دول الاشتراكيات العربية تمنح الخليج الفرصة الكبرى لتحقيق التحولات الكبرى عبر مشروعات اجتماعية واقتصادية عظيمة. فعلى المستوى السياسي تتكاتف دول الخليج بشكل كبير لحماية بعضها البعض من المحاولات المتكررة للتدخل في الدول الخليجية نفسها، ولم يعد هناك شك بأن إيران صاغت مشروعها السياسي على فكرة تصدير الثورة وحاولت جاهدة أن تكون دول الخليج العربي بين تلك الدول التي تسعى إيران إلى تصدير الثورة إليها وهذا ما عملت عليه خلال عقود الثورة الثلاثة. مشروع إيران الأيديولوجي لن يكون مقاوما كبيرا وصامدا بل ينتظر انهيار مقوماته خلال فترة وجيزة وخاصة مع التحولات التي تشهدها المنطقة العربية لكونه يقوم على بناء فكري مؤدلج يعتمد على الإيمان بالمشروع الفارسي السياسي وليس بناء الفرد ، وهذه التجربة لإيران تجعل الخليج أمام درس كبير يمكن التعلم منه بأن الأيديولوجيات لها وهج كبير عند إشعالها ولكنها سريعة الاشتعال سريعة الانطفاء على أرض الواقع، ويسهل اختراقها من حيث الزمان والمكان. المشروع الأيديولوجي الإيراني يصل اليوم إلى مرحلة الانطفاء وهذا ما تعكسه الأحداث وليس التوقعات، والتجربة الإيرانية في تصدير الثورة أثبتت كساد بضاعتها على مراسي الموانئ الفكرية المناهضة لها. دول الخليج لن تفاجئ العالم بتغير في أرضيتها السياسية بل هي شكل من الثبات والاستقرار لن يشعر بالقلق تجاه ما يجري في الدول العربية بل إن الشعوب الخليجية تثق في قياداتها نحو بناء المشروع الخليجي، كما أن الطائفية لن تكون المطرقة التي يمكن أن تؤثر في الحراك السياسي الخليجي لأسباب اجتماعية واقتصادية معلومة فلا زال حجم الانتماء والطلب على الانتماء لدول الخليج من مواطنيه عالياً. المشروع الخليجي الاجتماعي يشبه كثيرا البناء القائم من أساسه إلى قمة المبنى؛ فالعلاقات الاجتماعية والقرابية والقيمية والعادات والتقاليد المشتركة ، جميعها قائمة ويمكن رؤيتها بشكل كبير وما بقي هو تلك الخطوات النهائية لعمل اللمسات الأخيرة لهذا التكامل الاجتماعي عبر التسهيلات الاجتماعية وتشجيع الاتصال الفكري والاجتماعي بين الشعوب الخليجية بدرجة أسرع مما هي عليه الآن. الوحدة الخليجية وتاريخيتها هي احدي المناسبات التي يمكن أن تكون نواة المشروع الخليجي والهوية الخليجية؛ حيث الاحتفال بتاريخ تأسيس مجلس التعاون وجعله مناسبة وطنية لكل الشعوب الخليجية ، فالمشروع الخليجي ليس مشروعاً طبقياً في مقابل الدول العربية الأخرى بل هو مشروع وحدة بين دول الخليج العربي التي تتماثل وبشكل كبير في مقوماتها التاريخية والاجتماعية. دول الخليج العربي لن تكون قريبة من ما يحدث في العالم العربي ولعل السبب السياسي لذلك هو نمطية الإدارة والحكم في هذه البلدان ودوائرها المتداخلة سياسياً واجتماعياً هذا بالإضافة إلى القوة الاقتصادية التي تتمتع بها دول المجلس وهي قوة لايمكن أن تكون مؤقتة بسبب حجمها ومكانتها العالمية فهذه الدول تملك الطاقة وهي تستثمر هذه الطاقة في مجالات التنمية في دولها. اليوم تشرق شمس الخليج سياسيا واقتصاديا على العالم العربي إشراقه لم تحدث من قبل حيث منحت هذه الدول لنفسها موقعا أكثر قوة وتأثيرا في مسيرة عالمنا العربي ولذلك تأتي اجتماعات قادة دول مجلس التعاون في ظل هذه الظروف تحت عنوان يمكن أن نطلق عليه (الخليج العربي .. الوقت سريع والشعوب طامحة...!!).. نقلا عن الرياض