ما بين حلم الحضور ومرارة الغياب.. "ما يهمنا اليوم، كيف ولماذا حضر عكاظ؟" سؤال افتتح به الأمير خالد الفيصل مستشار خادم الحرمين أمير مكةالمكرمة كلمته المقتضبة في سوق عكاظ في نسختها العاشرة. الفيصل يطرح هذا السؤال بعد عشر سنوات من الفعاليات المادية والثقافية. ليحكي بشكل موجز قصة حضور هذا المحفل الثقافي اليوم؛ حلما راود الملك فيصل ليتعهده الملك عبدالله تأسيسا وتحديثا، وصولا إلى سنته العاشرة في "حلة سعودية" زانها وأثراها "حزم سلمان". فقد "بحث عنه الملك فيصل حتى وجده". إذ قام في عام 1380 ه، بتكليف عدد من المختصين والجغرافيين للعمل على تحديد مكان السوق، وبعد انتهاء المختصين من أعمالهم وتحديد الموقع وقف برفقة المؤرخ الشهير محمد بن بليهد على أرض السوق بنفسه. وتحديد الموقع جغرافيا ليس بالبعيد عما اعتمده ووثقه الشاعر خير الدين الزركلي، الشاعر المؤرخ، ممثل الملك فيصل في عدة مؤتمرات دولية. في كتاب "ما رأيت وما سمعت": "على مرحلتين من مكة للذاهب إلى الطائف في طريق السيل، يميل قاصد "عكاظ" نحو اليمين، فيسير نحو نصف الساعة فإذا هو أمام نهر في باحة واسعة الجوانب يسمونها القانس - بالكاف المعقودة - وهي موضع سوق عكاظ .. وهذه الباحة هي مجتمع الطرق إلى اليمن والعراقومكة، وهي مرتقعة تشرف على جبال اليمن". "حلم الحضور" لم يمت بموت فيصل بن عبدالعزيز - يرحمه الله-، إذ قيض الله لهذا المشروع الثقافي اهتمام من أتوا بعده من ملوك ليظل محفوظا وصولا إلى لحظته "الاستثنائية" في عهد الملك عبدالله بن عبدالعزيز - يرحمه الله - الذي أمر بتشكيل لجنة من الداخلية والعدل وكبار المؤرخين والمثقفين عام 1417ه، ليتم وضع مخطط هندسي كامل لهذا العمل. ولينطلق العمل المادي والثقافي جنبا إلي جنب، بإشراف مباشر من ملوك البلد وقادته عن معرفة بقيمة هذا المنتج الحضاري وحب واهتمام بتاريخ البلد الممتد عربيا وإسلاميا. لتطل سوق عكاظ اليوم في نسختها العاشرة في عهد سلمان الحزم، الشغوف بالتاريخ وأهله، متجددة في أروع حللها بشهادة الحضور من مختلف الجنسيات والأعراق. تعدد ثقافي وتنوع حضاري لطالما تميزت به هذه السوق منذ بداياتها الضاربة في عمق تاريخ شبه الجزيرة العربية. ألوان متعددة جعلها المنظمون نصب أعينهم في حلتها السعودية، بتوصيات مباشرة ومستمرة من رئيس اللجنة الأمير الشاعر خالد الفيصل، وباهتمام لاحق وسابق من مؤرخي جزيرة العرب على اختلاف أزمانهم. إذ جاء في "المجاز بين اليمامة والحجاز" قول الشيخ عبدالله بن خميس واصفا "عكاظ": أعظم معرض في جزيرة العرب للتجارة، والصناعة، والفن، وأعظم مؤتمر للرأي والسياسة والاجتماع، وأعظم منتدى للشعر والخطابة والبلاغة.. لم تبلغ المعارض الدولية اليوم على ما بها من تنسيق وتنظيم وابتكار ما بلغته سوق عكاظ من حيث كثرة الرواد وتعدد الأهداف واستيعاب القبائل وحرارة اللقاء.. يلتقي فيها اليمني والعراقي والعماني والشامي بالنجدي والحجازي والهجري.. وتؤمها تجارة الفرس والأحباش.. وغيرها من الأمم فتجد لطيمة كسرى مجالاً تتفق فيه هناك كما تعرض فيه بضائع العراق وهجر وبصرى وعدن وبلاد الشام. يبقى أن هذا الوصف بصيغة الاحتفاء والاعتراف بالقيمة الثقافية والحضارية لهذه السوق من قبل مؤرخ معاصر عارف ومجد كابن خميس الذي قيل عنه "لا يوجد شبر من الجزيرة العربية لم تطأه قدم ابن خميس". ليس إلا خريطة طريقة ووصفة تنوع وغنى وحضارة لما يريده الجميع، قادة ومهتمين، لسوق عكاظ في حلتها السعودية؛ منتجا ثقافيا جامعا للحضارات ومنبرا لفنون التسامح وآداب الإخاء. باختصار "ملتقى حياة" كما هو شعارها. في زمن يعج من حولنا بالإرهاب والفتن والاقتتال.