القبض على شخصين في تبوك لترويجهما الحشيش و(9000) قرص "إمفيتامين"    بمشاركة 25 دولة و 500 حرفي.. افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض غدا    استقالة مارتينو مدرب إنتر ميامي بعد توديع تصفيات الدوري الأمريكي    6 فرق تتنافس على لقب بطل "نهائي الرياض"    أوكرانيا تطلب أنظمة حديثة للدفاع الجوي    مدرب الفيحاء يشتكي من حكم مباراة الأهلي    بحضور وزير الثقافة.. «روائع الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    محافظ عنيزة المكلف يزور الوحدة السكنية الجاهزة    أمانة الشرقية تقيم ملتقى تعزيز الامتثال والشراكة بين القطاع الحكومي والخاص    رحلة ألف عام: متحف عالم التمور يعيد إحياء تاريخ النخيل في التراث العربي    دوري روشن: التعادل الايجابي يحسم مواجهة الشباب والاخدود    الهلال يفقد خدمات مالكوم امام الخليج    «الصحة الفلسطينية» : جميع مستشفيات غزة ستتوقف عن العمل    المملكة توزع 530 قسيمة شرائية في عدة مناطق بجمهورية لبنان    اعتماد معاهدة الرياض لقانون التصاميم    منتدى المحتوى المحلي يختتم أعمال اليوم الثاني بتوقيع 19 اتفاقية وإطلاق 5 برامج    «طرد مشبوه» يثير الفزع في أحد أكبر مطارات بريطانيا    انطلاق مهرجان الحنيذ الأول بمحايل عسير الجمعة القادم    فيتنامي أسلم «عن بُعد» وأصبح ضيفاً على المليك لأداء العمرة    شقيقة صالح كامل.. زوجة الوزير يماني في ذمة الله    هل يعاقب الكونغرس الأمريكي «الجنائية الدولية»؟    «الزكاة والضريبة والجمارك» تُحبط 5 محاولات لتهريب أكثر من 313 ألف حبة كبتاجون في منفذ الحديثة    «الأرصاد»: أمطار غزيرة على منطقة مكة    الرعاية الصحية السعودية.. بُعد إنساني يتخطى الحدود    فريق صناع التميز التطوعي ٢٠٣٠ يشارك في جناح جمعية التوعية بأضرار المخدرات    الذهب يتجه نحو أفضل أسبوع في عام مع تصاعد الصراع الروسي الأوكراني    الملافظ سعد والسعادة كرم    "فيصل الخيرية" تدعم الوعي المالي للأطفال    الرياض تختتم ورشتي عمل الترجمة الأدبية    «قبضة» الخليج إلى النهائي الآسيوي ل«اليد»    رواء الجصاني يلتقط سيرة عراقيين من ذاكرة «براغ»    «السقوط المفاجئ»    حقن التنحيف ضارة أم نافعة.. الجواب لدى الأطباء؟    عدسة ريم الفيصل تنصت لنا    المخرجة هند الفهاد: رائدة سعودية في عالم السينما    د. عبدالله الشهري: رسالة الأندية لا يجب اختزالها في الرياضة فقط واستضافة المونديال خير دليل    «بازار المنجّمين»؟!    مسجد الفتح.. استحضار دخول البيت العتيق    «استخدام النقل العام».. اقتصاد واستدامة    إجراءات الحدود توتر عمل «شينغن» التنقل الحر    الثقافة البيئية والتنمية المستدامة    تصرفات تؤخر مشي الطفل يجب الحذر منها    فعل لا رد فعل    5 مواجهات في دوري ممتاز الطائرة    ترمب المنتصر الكبير    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    إنعاش الحياة وإنعاش الموت..!    رئيس مجلس أمناء جامعة الأمير سلطان يوجه باعتماد الجامعة إجازة شهر رمضان للطلبة للثلاثة الأعوام القادمة    إطلاق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش في السعودية    فرع وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية بحائل يفعّل مبادرة "الموظف الصغير" احتفالاً بيوم الطفل العالمي    "التعاون الإسلامي" ترحّب باعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة التعاون معها    استضافة 25 معتمراً ماليزياً في المدينة.. وصول الدفعة الأولى من ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة    «المسيار» والوجبات السريعة    أمير الرياض يرأس اجتماع المحافظين ومسؤولي الإمارة    أمير الحدود الشمالية يفتتح مركز الدعم والإسناد للدفاع المدني بمحافظة طريف    أمير منطقة تبوك يستقبل سفير جمهورية أوزبكستان لدى المملكة    سموه التقى حاكم ولاية إنديانا الأمريكية.. وزير الدفاع ووزير القوات المسلحة الفرنسية يبحثان آفاق التعاون والمستجدات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سوق عكاظ.. نبض التاريخ يصهل شعرًا وإبداعًا في قلب الزمن الحديث
نشر في المدينة يوم 29 - 09 - 2010

أشاد عدد من المثقفين والأدباء والمفكّرين بالنجاح الكبير والمضطرد الذي تحظى به فعاليات سوق عكاظ في مواسمه الثلاثة السابقة، مؤكدين في سياق حديثهم أن إحياء السوق بشكله الحضاري الحالي ثمرة من ثمار الرؤية الثقافية النافذة لصاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة، كما ذهب المشاركون في هذا الاستطلاع إلى بيان الوجه التاريخي لسوق عكاظ ومكانته في الجاهلية والإسلام، والبعد الثقافي والحضاري الذي يمنحه للمملكة بإعادة وهجه وألقه إلى سطح المشهد الثقافي الحالي، مقدمين جملة من المقترحات والآراء المضيئة للسوق في مواسمه المقبلة.
تطوير المكان والإنسان
الدكتور هاشم عبده هاشم استهل الحديث بقوله: عندما جاء الأمير خالد الفيصل أميرًا لمنطقة مكة المكرمة طرح تصوّرًا شاملًا سواء لتطوير المكان والإنسان، وكان أمر طبيعي الاهتمام بالجانب الثقافي لأن لهذا الجانب علاقة بالتاريخ والزمان والمكان. وسوق عكاظ كان مكانًا للرؤى، وكان محطة إعلانية في تاريخ الجزيرة العربية؛، حيث كانت المساجلات والمطارحات على أعلى المستويات، وكان ملتقى للقبائل وأصحاب الرؤى والفكر السياسي، ومن الطبيعي أن أحياء هذا الجانب ملمح من ملامح هذه المرحلة المتميزة سواء في المجال التنموي أو في بناء الإنسان.
أفق حضاري متجاوز
ويربط الدكتور عالي القرشي بين ماضي سوق عكاظ وحاضره في سياق قوله: تمثّل انطلاقة سوق عكاظ في العصر الحديث في مهده وفي موقعه الذي كان يتبوؤه في الجاهلية وصدر الإسلام انطلاقة ورجوعًا إلى القيمة لهذا الرمز التاريخي الثقافي، ذلك أن التفافنا على عكاظ يزيد ذلك الوعي الحضاري لدى الأمة العربية. فقد سئموا في الجاهلية من قراع السيوف والمنابذة بالسهام فأرادوا أن يصبح سوق عكاظ مسرحًا ينفسون فيه طاقاتهم، ويبرزون محاسنهم، وكانوا يجتمعون ليس لإلقاء القصائد فقط؛، بل لإقامة حيز من المفاخرة بين القبائل، وأيضًا كان للسوق سبق في نبذ السلاح والحروب، وهذا الوعي الحضاري المبكّر لسوق عكاظ من المفترض ألا يغيب عنا في العصر الحديث.
ويتابع القرشي حديثه منتقلًا إلى الواقع الحديث لسوق عكاظ مضيفًا: حينما جاءت انطلاقة هذا السوق فإنما تحمل الوعي بقيمة هذا الرمز التاريخي، ولهذا كانت المتابعة مستمرة من الأمير خالد الفيصل، وجهود من محافظ الطائف في إخراج هذا السوق في حلة حضارية جديدة. وهذا أمر ينسجم مع مكانة المملكة في العصر الحديث في إثبات أن هذه البلاد تحمل أفقًا حضاريًّا يتجاوز الحدود، وأصبح يتجاوز إلى إبراز القيم الحضارية النبيلة، وتحقيق أجواء من المنافسة الإبداعية عبر جائزة عكاظ التي تشرف عليها فعليًا جامعة الطائف.
بحث عن التفرّد
ويرى القاص محمّد علي قدس أن إحياء سوق عكاظ حلم راوّد الأدباء والشعراء منذ عام 1395ه، حين جمع صاحب السمو الملكي الأمير فيصل بن فهد - رحمه الله- أدباء المملكة والشعراء والمفكرين، على مائدة الحوار في الرياض، لبعث سوق عكاظ من جديد، وشاءت الأقدار أن يجد من الأحداث ما أجل تنفيذ الفكرة وحال دون خروجها إلى النور.
ماضيًا إلى القول: لكن السوق أحياها من كان يثق بأهميتها، وقد تحمّس للفكرة والهدف وناضل من أجل تنفيذها بالصورة التي هو مستمر عليها المهرجان، سمو الأمير الشاعر الفنان خالد الفيصل، وما أن انتهت فعاليات دورته الثالثة حتى أخذ الأدباء والشعراء يفندون فعالياته ويقرأون نشاطاته، خاصة الشعراء الذين يهمهم مهرجان عكاظ بالدرجة الأولى، حيث هو بمثاتبة التراث الشعري القديم الذي لا بد من المحافظة عليه. وتقويم الجهود للوصول إلى السلبيات والسعي لتصحيح الأخطاء، سنة حسنة ومسلك سوي لتحقيق نجاحات أفضل ومستوى أرقى. على أمل ألا يكون (مهرجان سوق عكاظ) امتدادا للمهرجان الوطني للتراث والثقافة، وإنما نطمع أن يكون له نفس الوهج والمصداقية والشمولية، وأن يكون له تأثيره في مشهدنا الثقافي والفعل الثقافي.
وينقل قدس تطلعات الشعراء لهذا المهرجان في ثنايا قوله: ويطالب الشعراء في المملكة أن تكون هناك لجنة تحكيمية على مستوى يليق بجائزة المهرجان التي تمثل تاريخ موروثنا الشعري والثقافي. ولابد أن يكون لجائزتها قيمة معنوية وتاريخية. وعاب الشعراء والنقاد أن تذهب الجائزة لأسماء مغمورة أو مواهب شعرية مهما كانت قيمة منجزها الشعري. ويساق العتب على اللجنة المنظمة للمهرجان الذي يرعاه ويهتم بفعالياته ويحرص على نجاحه سمو الأمير الشاعر الفنان خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة ورئيس اللجنة العليا للمهرجان على عدم دعوة الأدباء والمفكّرين الذين يهمهم حضور المهرجان من داخل المملكة، ربما للتخفيف بينما يدعى للمهرجان أدباء من الخارج.
يقظة بعد سبات طويل
مستشار اللجنة التنفيذية بسوق عكاظ مناحي القثامي عاد بالذاكرة إلى خطوات بعث السوق في صورته الحديثة في سياق قوله: انطلقت فعاليات سوق عكاظ التاريخي من جديد في هذا العصر مع تولي سمو الأمير خالد الفيصل إمارة منطقة مكة المكرمة في العام 1428ه، وهذا الفعل الثقافي الكبير حصل في حقيقة الأمر نظرًا لأن سمو الأمير يملك رؤية ثقافية ثاقبة تنطلق هذه الرؤية من خلال إدراك سموه لأهمية سوق عكاظ في ذاكرة التاريخ الإنساني منذ القدم، ولذلك كان من الأجدر بعث وهج عكاظ من جديد وجعله مواكبًا لمتغيرات العصر الذي نعيشه؛ مع المحافظة على خصوصية السوق وطابعه السابق، وهذا ما حصل بالفعل؛، حيث كان سوق عكاظ عند تأسيسه في سابق عهده يمثّل منارة ثقافية اقتصادية سياسية اجتماعية يفد إليه وفود كبيرة من جزيرة العرب قاطبة والعديد من البشر الذين يأتون من خارج، بلاد العرب في ذلك الوقت مثل الشام، ومصر، والحبشة، وبلاد فارس، وغير ذلك.
ويستطرد القثامي في حديثه مضيفًا: ففي سوق عكاظ يجتمع القوم من التجار والشعراء والخطباء والملوك والأمراء وعِلية القوم وغيرهم من دهماء الناس، الجميع تجذبه سمعة سوق عكاظ، لتتعدد المناشط فيه، رغم أنه في صحراء بعيدة عن المدن ولكن في هذه الصحراء تتوفر في ذلك الوقت وسائل متقدمة من رفاهية الحياة التي تليق بملوك فارس والروم وأمراء الحيرة والغساسنة والمناذرة وأمراء العرب، وقادة الرأي والفكر والشعر الذين يحضرون إلى السوق، حيث كان سوق عكاظ الذي قيل إنه بدأ عام الفيل وقيل قبله واستمر سنويًّا حتى انتهى بتدمير مقره عام 129ه على يد المختار بن عوف مع نهاية الدولة الأموية، وبقي مدمرًا حتى نهض واستمر من العام 1428ه في عهد الأمير المثقف خالد الفيصل الذي دعم فكرة إنشاء سوق عكاظ من جديد بعد هذا الزمن المديد، الذي نامت مناشط عكاظ خلاله عن العمل، ولم يبقَ لسوق عكاظ ذكر عدا ما سجّل عنه قديمًا من مآثر حضارية.
ويختم القثامي بقوله: وقد قيّض اللّه لسوق عكاظ من جديد خالد الفيصل الذي ساعد على قيام هذا السوق من سبات نومه منذ العام 129ه، وشجع هذا الأمير الواعي المدرك لحركة التاريخ على الحفاظ على مآثر أمته العربية، وهذا العمل الثقافي السياحي المستفاد من إعادة سوق عكاظ يكتب ويسجّل من الأعمال الخالدة والمؤثرة في سيرة، بلادنا نحو انطلاقة متميزة تحسب لرجال أوفياء عملوا من أجل الحاضر والمستقبل والارتباط بالماضي المشرق؛، حيث تظل الثقافة هي العنصر المؤثر والباقي على مدى العصور.
أشهر الأسواق
المؤرخ عيسى القصير شارك بقوله: سوق عكاظ أحد الأسواق القديمة، ويعد أشهر الأسواق في الجزيرة العربية، وقد أصبح السوق مكانًا للتجارة والأدب والثقافة، وكانوا يأتون إليه من جميع مناطق الجزيرة العربية بوفود من المشايخ والأدباء والشعراء، وكان سوق عكاظ هو المنتدى الثقافي الأبرز في جزيرة العرب، يأتون إليه من اليمن ومن الشام، وكان محطة للقوافل التي تصل محمّلة بكافة أنواع البضائع. ولقد كان لاهتمام الأمير خالد الفيصل أكبر الأثر في عودة السوق ونجاح فعالياته في السنوات الماضية وهذا ليس بمستغرب، وهو الأمير الشاعر المثقف الذي أعطى الثقافة اهتمامًا كبيرًا، ولا ننسى محافظ الطائف فهد بن معمر وكل المسؤولين بالطائف على الاهتمام بالسوق منذ افتتاحه عام 1428ه.
ضد الروتين
رؤية الشاعر الإعلامي خالد قمّاش ضمّنها في قوله: ثمة مهرجان للضوء يتشجر في فضاءات طائفية المذاق، وعطر ينسكب كشلال ضوء مع هديل الشعر وصهيل النثر، شخوص تطوقهم الرسمية بإكليل من الورود البلاستيكية، وآخرون ينداحون عفوية وصدقًا باذخ البياض.. في جادة عكاظ الرائعة مسرح آخر، مسرح اجتماعي مفتوح لكل المشاهد التلقائية، والمفارقات العفوية، قصائد لشعراء المعلقات تبث بمكبرات صوت عالية الجودة، وتلتقط الصور التذكارية مع شخصيات تمثّل الدور التاريخي لهؤلاء الشعراء، هنا يتساءل طفل: بابا ليش شعورهم ولحاهم طويلة؟ الأب يصمت ويترك الابن يتجرع صدى السؤال، الطفل يهمهم ببراءة: أكيد ما كان عندهم حلاقين! إلى تلك الجادة يهرب المثقفون قبل المتلقي العادي من خيمة التنظير إلى هذا المسرح الاجتماعي المفتوح، حيث نبض الحياة المترع شعرًا يصهل في ذاكرة الزمن ونقشًا على أديم الروح.. ربما لتلتقطهم عدسات الفضائيات في لقاءات جانبية خاطفة، وربما ليشهدوا العمق التاريخي لهذه السوق والمتمثّل في مسرح النابغة الذي يجسد أدوار شعراء المعلقات في صياغة الذائقة الجمعية منذ أكثر من 14 قرنًا خلت.
ويمضي قمّاش في سرد خواطره حول السوق مضيفًا: كنت أقول وما زلت أقول إن من روعة المصادفات الجميلة والمبهجة أن يكون انبعاث سوق عكاظ التاريخي من جديد متزامنا مع تولي الأمير الشاعر إمارة المنطقة. ولأن الحلم العكاظي الذي ولد واقفًا بدأ يتشكّل في ذاكرة المواطن العربي، كملتقي للشعر والفكر والثقافة ليعيد بذلك إحياء الإرث التاريخي القديم المتجدد منذ العصور الجاهلية إلى وقتنا الحاضر، فإننا نأمل من اللجنة المنظمة أن يكون المهرجان احتفالية ثقافية إنسانية أكثر من كونها محاضرات وأمسيات ونشاطات مجدولة تدرج في سياق برنامج روتيني، بحيث يكون ملتقى لجميع المشاركين طوال أيامه على غرار الأيام الثقافية التي تقام خارج البلاد. ولكن هذا العام يبدو أننا سنخسر الجمهور الذي كان يتوافد كل عام لهذا المهرجان نظرًا لتزامنه مع الإجازة الصيفية، أتمنى على اللجنة المنظمة أن تعيد للسوق وهجه القديم بتعديل موعد إقامته إلى موعده السابق.
تبلور الفكرة العكاظية
رئيس نادي الطائف الأدبي الثقافي حمّاد بن حامد السالمي ابتدر مداخلته بقوله: الأمير خالد الفيصل منذ يفاعته وهو مسكون بالشعر والفكر والثقافة، ومحب للشعراء والمفكّرين والمثقفين، وداعم بامتياز، بل وصانع رائد لمشاريع ثقافية وفكرية كبيرة، فنحن نتذكّر جيدًا ريادته في بعث مؤسسة الفكر العربي قبل سنوات مضت، ونتذكر باحترام وتقدير كبيرين ما فعله في منطقة عسير، وجائزة المفتاحة عنوان حضاري كبير على عناية الأمير خالد الفيصل بالفكر والثقافة، وخاصة في وطنه المملكة العربية السعودية، الوطن الذي يجري في دمه، وينساب في شعره، ويتألق حبًّا في حياته.
ويمضي السالمي في بيان ما قام به الأمير خالد الفيصل من جهود في إحياء مهرجان سوق عكاظ مضيفًا: عندما جاء الأمير خالد الفيصل إلى إمارة منطقة مكة المكرمة كان مهرجان سوق عكاظ في بداياته الأولى، فأعطاه أكثر من دفعة إلى الأمام، بل إنه جعل منه المشروع الثقافي الأول في المنطقة، حتى أصبحنا نتحول من منطقة الأحلام إلى منطقة الواقع، فالمشروع الثقافي يتحول تدريجيًّا إلى قرية ثقافية غير مسبوقة في المملكة، والفكرة العكاظية تتبلور لتحتل مكانتها التي تستحقها بين العرب والمسلمين ودول العالم أجمع، فالبنى التحية للسوق تتسابق إلى الظهور، بعد توقيع عقدين للخيمة العكاظية والمسرح، والفعاليات الموسمية للسوق تشهد المزيد من الشمولية والتنوع والتطوير، لتحقق حلمنا نحن المثقفين في مشهد عكاظي لا يستثني نسقًا فكريًّا أو شعريًّا أو ثقافيًّا عرفه سوق عكاظ في جاهليته وإسلامه.. هذا هو الذي نتمنى تحقيقه في عكاظ القادم بقوة إلى تمثيل شعب المملكة عربيًّا ودوليًّا، وإلى تقديم شعر العرب وأدبهم وثقافتهم في الأوساط العالمية. إنه عكاظ الثقافي.. الذي نرقب خطوات نموه صباح مساء على يدي أمير الشعر والفكر والثقافة الأمير خالد الفيصل.
جوائز محفّزة
ويرى رئيس جمعية الثقافة والفنون بالطائف فيصل الخديدي أن سوق عكاظ أصبح تظاهرة ثقافية عربية ينتظرها المثقفون كل عام، مضيفًا بقوله: في هذا العام تواصل الاهتمام الرسمي بفعاليات السوق بإضافة أكثر من جائزة لفعاليات السوق لتصبح جوائز مسابقات سوق عكاظ كالتالي: جائزة شاعر عكاظ، وجائزة شاعر شباب عكاظ، وجائزة لوحة وقصيدة، وجائزة الخط العربي، وجائزة التصوير الضوئي، وجائزة الحرف اليدوية، وجائزة الفلكلور الشعبي. وهذا يوضح مدى الاهتمام المتزايد من قبل صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل أمير منطقة مكة المكرمة واللجان الرئيسية والإشرافية والتنفيذية ليصل سوق عكاظ للوهج الذي يرضي الطموح ويكون منارة ثقافية على مدار العام، ويجعل من الطائف مدينة ثقافية تستقطب مثقفي العالم العربي قاطبة بفعالياتها وأنشطتها الدائمة، فجميع أوجه وأجناس الثقافة حاضرة في فعاليات سوق عكاظ، وهي تسير بخطى حثيثة نحو تميز وتفرد في الطرح والفكر الذي يميزها ويجعل منها هوية ثقافية مميزة.
بانوراما شاملة
ويعلي الدكتور عائض الردادي من مكانة سوق عكاظ في التاريخ في سياق قوله: رغم أن الحضارة العربية والإسلامية عرفت أسواقًا كثيرة؛ إلا أن عكاظ ظلت ألمع اسمًا في تاريخ الأدب العربي، وكان أسطورة تناقلتها الرواة وسجلوها مضيئة في ذاكرة التاريخ ومعرض الزمن. هناك كانت عكاظ بثقافتها وفنها وشعرائها وخطبائها بقوتها وطبقاتها؛ لذا سلط التاريخ والمؤرخون الضوء بسوق عكاظ لأنه كان فضاء الشعر والفكر، كان العربي يتعلم منه أبجدية الانطلاق في رحاب الشعر ويؤمن بالامتصاص والمزج والتلاقح والمصاهرة الفكرية والتحليق في دوائر الحرية، فتكونت حضارة عكاظ آنذاك.
ويتابع الردادي حديثه قائلًا: نبتهج سويًّا بمهرجان سوق عكاظ للثقافة والتراث الأول الذي تنفرد به مدينة الورد الفكري والفاكهة الشعرية من بين مدن العالم العربي، حيث إن له نكهة خاصة تضافر على صنعها التاريخ والجغرافيا وما يتفرع عنهما من لواحق الزمان. ليس ثمة من تناسب ظاهر إذا بين رفعة عكاظ وبين تاريخه ووقعه في النفس التاريخ، هنا يفيض عن حاجة الجغرافيا أو قدرتها العادية ويجدد أصداؤه في الذاكرة البعيدة والقريبة عبر أكثر من محطة أو مفصل. فعكاظ حلم قديم عمره ألف وخمسمائة عام لم يتحقق فيما مضى من زمن لعدة أسباب ليذهب كل الحالمين في حلم آخر فرضته الأيام. عكاظ المصنوع من رؤية وإشعاع فكري تنويري إبداعي عكاظ الذي يصبح زادًا وزوادًا لكل متعطش للفكر والإبداع والشعر المتجذر في تربة الذهنية العربية. عكاظ جذر الشعر والثقافة الحية المتفاعلة يتبوأ شجات المنابر الفكرية الذي يتجدد في نهر المكان ولأنه بهذه الصفة فهو يحلق فوق متاهة الفوقية العارية من الموضوعية والمنهجية، وهو في نفس الدائرة مع سلطة الحرية الواعية والإنسانية العربية المتقدمة. ولأن عكاظ حلم كبير يحلم الكثير من المحيط إلى الخليج بعودة وانسياب أنهاره الثقافية والمعرفية إلى أحياء صحرائه الجافة ليعود ربيعًا مثمرًا بالفكر والفن والأدب؛ فها هي عجلة الزمن تعيد دورتها ثانية لتنبثق الفكرة من جديد وطنيًّا كخيار وحيد يمكن تحقيقه حاليًا وعربيًّا في المراحل المقبلة. ولا يمكن أن يتحقق ويصبح واقعًا ينبض بالدفء الثقافي دون كثافة من الاهتمام وإصرار مستمر من قبل معالي محافظ الطائف عاشق التراث والثقافة لتصل مرحلة الحلم إلى مرحلة العمل الجاد وليكون لعكاظ بصمته الخاصة. في هذا العصر ها هي عاصمة الشعر وقبلة المثقفين والأدباء ومنارة الكلمة وتضاريس الجمال تستقطب الجمهور العريض لهذا الصيف المتعطش إلى القيمة الرمزية لهذا الصرح الثقافي الذي ترعرع في أحضان عمالقة الشعر والأدب الضارب في خاصرة التاريخ.
ويستطرد الردادي في حديثه بقوله: كنا كمجموعة مشرفة على تفعيل مهرجان عكاظ يجمعنا وشائج التجانس، وكنا نفكر ماذا نفعل لكي نخرج من الرتابة النمطية التي يقع تحت طائلتها الكثير من البشر، ولأننا كمجموعة تؤمن بأن الإبداع ضد النمطية الجافة والقرار الأوحد. قررنا أن يكون عملنا جماعيًّا يغلفه العشق لهذا المنتدى الذي نتمنى أن يخرج بشكل منظم منتظم، وأن نبحث عن الجديد، وأيضًا لأننا نؤمن بأن المعرفة والثقافة والتراث والفكر الموروث لا تتجزأ، وبأن لغة عكاظ أصبحت تشابكية في عصر أزال كل الحوافز أمام تدفق المعلومات وإزالة الحواجز والعادات والطقوس ارتأينا أن يكون عكاظ بحلة جديدة بانوراما شاملة وقوس قزح لامع في الأفق. ومن أمنياتنا أن يكون هناك تواصلًا بين المكان والإبداع من شتى أنواع النصوص لأن لكل نص بصمته الخاصة وشخصيته الخاصة ونصه الخاص الذي يحمل ملامحه وحواسه ومخيلته ونمط تفكيره أو ذائقته، ومن هذا المنطلق لا نؤيد ولا نؤمن بمصادرة الآخر؛ إننا نسعى لمد الجسور بين كل الأطياف لربما أن نأتي، بلغة جديدة تحمل ملامح كل هذه التعددية من مهرجان عكاظ الثقافي. إن عكاظ يشكل منبعًا طبيعيًّا لثقافتنا مما يجعله مصدرًا ثريًّا من مصادرها وانطلاقًا من هذه الأهمية التي تكتسبها عكاظ في حياتنا الثقافية، فلا بد من العمل لنقله للأجيال المتعاقبة لمد الجسور بين ماضيها وحاضرها وجعله أرضية صلبة للانطلاق في دروب الإبداع والعطاء الفكري حتى نوفر لهذا التراث العكاظي روح الاستمرار والتوهج بنور التجديد والإضافة والخلق، ولا شك أننا بهذا الشكل نعطي لثقافة وتراث عكاظ فرصة ذهبية كي يسري في عروق الأجيال بعد نفض غبار القرون عنه. فها هو الآن يتلألأ عكاظ بألق إبداع الماضي ليؤثر في ثقافة الحاضر ليشرق ويشع فكريًا في صياغة ثقافة وأدب المستقبل.
ويعود الردادي مشيرًا إلى ما دونه المرخون عن سوق عكاظ في ما أضافه قائلًا: لقد أطنب المؤرّخون العرب في وصف حركة التجارة وضرب الأسواق في نواحي الجزيرة العربية كلها، وأحصى نفر منهم طائفة من الأسواق التي نوّفت على ستة وعشرين سوقًا، وهي مع خطرها التجاري، كانت معبرة عن الروح العربي العام، ذلك الروح الذي نجد أثرًا طاغيًا من آثاره في التقريب بين لغات العرب، عند منتهى العصر الجاهلي، وصنعت تلك الأسواق، على عينها، أدبًا موحدًا، وسننًا وتقاليد متشابهة، وأشعرت بقرب ما بين العرب، وكأنها دفعت إلى شيء مما ندعوه في مصلحنا المعاصر ب”الوحدة السياسية”، وأنهم ينتمون إلى هويّة واحدة، ينتمون إليها على اختلاف ما بينهم في الأرض والتمدّن. ومن بين تلك الأسواق التي افتن العرب بضربها هنا وهناك، كان لسوق عكاظ خطرها في التاريخ العربي القديم، وهي لقربها من مكة المكرمة، ولمصاقبتها لموسم العرب الأعظم “الحج إلى البيت العتيق”، حيث تعقد ما بين الخامس عشر والثلاثين من ذي القعدة؛ حظيت بما لم تحظ به سوق أخرى، وكان لقربها من المجتمعات الحضرية، ولا سيما مكة المكرمة والطائف، أثر في حضورها وقوّتها، واستمرارها، وأغلب الظن أن العرب أجمعوا على مكانتها في أسواقهم، فألفيناها، كما تنبىء كتب التاريخ والأخبار، ساحة لألوان من التجارة والبيع والشراء، وأظهرت عبقرية العرب في البيان والبلاغة، وكانت بحق تعبيرًا عظيمًا عن قرب ما بين “التجارة” و”الأدب” من صلات ووشائج، وأثرت تلك السوق، وهي تجارية في المقام الأول، في أن “يسوّق” الشاعر أو الخطيب أو الداعية لعقيدة أو فكرة لما يأخذ به من قول أو فكر، بذلك القدر أو ذاك من فنون البلاغة ومصايد الكلام، وينشط ليكون أقوى أثرًا فيمن التف حوله من عامة الناس وخاصتهم، وعسى أن يكون ذلك تبيينًا لما بين “البلاغة” و”التجارة” من رحم، ولسنا نبعد في التصور حينما نذكر أن من علو كعب البلاغة والخطابة في العصور العربية المبكرة أن اقترنت بفكرة “الحجاج” والجدل وهي في حقيقتها ضرب من “بيع” الأفكار و“التسويق” لها، وقد يكون من المقبول والسائغ أن يذكر أن هناك وشيجة ورحمًا تصل ما بين “العربية” و”التجارة”، ولك أن تبحث في معجمات اللغة، وما أخذ به الشعراء والكتاب من ضروب القول، فإنك واجد قرب ما بينهما من آصرة بينة دونما استخفاء.
ويتابع الردادي مضيفًا: وأحسب أن سوق عكاظ لم يستمر في العصور العربية القديمة لو لم يكن ذا خطر ومكانة في الاقتصاد العربي، وفي الأدب العربي، وفي المجتمع العربي، ويحمل تاريخه الطويل – وأغلب الظن أن بدايته كانت في عام 500م – إلى أن تقهقر أثره وذبول مكانته، مع رجوع مجتمعات الجزيرة العربية عن أن يكون لها السبق في الثلث الأول من القرن الثاني للهجرة (129ه) – يحمل ذلك التاريخ مظاهر الحياة والنماء فيه، ويدفع إلى التفكير في إحياء هذه السوق لتعيد لهذه البلاد مكانتها الأدبية والثقافية، في “عكاظ” وإن انتهى أثرًا وتاريخًا – كان حيًا في وجدان الشعراء العرب، وأضحى رمزًا لأبهى عصور العرب في البيان والثقافة والوحدة، وشاهد ذلك أنه ما إن اتصل تاريخ العرب الحديث بالصحافة حتى رأينا نفرًا من رادة الصحافة العربية يطلقون اسم “عكاظ” على غير صحيفة ومجلة، وها نحن أولاء على ضفاف حقبة جديدة في تاريخ الثقافة في دنيا العرب، حين أصخنا، مجددًا لصوت “عكاظ” قادمًا من مجاهل التاريخ.
ويجمل الردادي حديثه عن ماضي السوق في سياق بعثه الجديد قائلًا: يمثل سوق عكاظ نقلة كبيرة في تأصيل الثقافة العربية ونقلها إلى العالم أجمع والإبداع الثقافي خطى بكل رعاية واهتمام وتم إحياء فعاليات ثقافية وتراثية لذلك تحول من أثر تاريخي إلى رمز شعري وحضاري يتجاوز التاريخ ويسكن أخيلة الشعراء ويمنحهم الإبداع والحنين فتنوعت الفعاليات الثقافية المنفتحة بمشاركة من المبدعات الشاعرات والمثقفات وهذا الحق المشروع لها لإحياء شاعريتها العربية التي ورثتها من الخنساء. وكان النشاط الثقافي يضم نخبة من المفكرين والمؤرخين المثقفين والأدباء والشعراء على تضاريس الوطن وأشعلوا سماء الثقافة بالإبداع والتألق وكان البرنامج الثقافي في عامه الأول زاخرًا بعدد من الأمسيات كما هو موضح في الجدول الثقافي.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.