في منتصف المحرم من سنة 1380ه نشرت جريدتنا الحبيبة عكاظ حديثا للملك الشهيد فيصل بن عبدالعزيز يتحدث فيه عن وقوفه على سوق عكاظ، واستجلائه بعض علاماته مع المؤرخ الشهير محمد بن بليهد، رحمهما الله. وبعد ثمانية وأربعين عاما من ذلك التاريخ وقف ابن الفيصل الأمير خالد ليعلن انبثاق سوق عكاظ من جديد، قال الأمير خالد يومها: «إن سوق عكاظ غاب عن دائرة الضوء، وطواه النسيان، بل إن موقعه أصبح ميدانا للاختلاف، إلى أن كلف الملك فيصل رحمه الله عددا من المؤرخين العلماء بتحديد موقعه بشكل دقيق، وبعد دراسة الآثار والتعرف على الأودية والجبال، والرجوع إلى الوثائق التاريخية والأشعار تم تحديد الموقع في هذه البقعة التي نجتمع الليلة في طرف منها». تلك كانت البداية، اهتماما من ملك عظيم، ثم تنفيذا وبعثا من أمير مثقف شاعر فنان. بيد أن مسيرة الكبار كبيرة دائما ولذلك فإن المشروع الذي بدأ بإحياء سوق قديم انتهى إلى أن يكون - كما قال الأمير خالد في كلمة هذا العام- «رسالة إنسانية وحضارية وتنموية تنطلق للعالم برؤية مستقبلية من أرض الحرمين الشريفين»، إنه «ليس استظهارا للماضي فحسب، بل هو ارتكاز عليه لنبني ما ينفع حاضرنا ويفيد مستقبلنا». ولذلك اتسعت دائرة السوق لتشمل شرائح المجتمع كافة، وتنوعت برامجه لتشمل الفكر والثقافة والأدب والاقتصاد، وتعددت مناشطه فكان منها المحاضرة والأمسية والمسرح والمساجلة والمعرض والفلكلور الشعبي، والبيع والشراء، كما أصبح السوق محجة ومقصدا لكثير من المثقفين والأدباء، وباتت جوائزه مطمحا لمبدعي العرب في كل مكان. وإنه ليسر جامعة أم القرى أن يكون لها في هذا العام إسهام واضح في مساق جديد من مساقات سوق عكاظ هو (ريادة الأعمال)، من خلال الندوة التي نظمها السوق بالتعاون مع الجامعة، وانتهت بتوقيع السوق عقدا مع رياديين شابين من خريجي الجامعة من أجل توثيق سوق عكاظ بشكل ثلاثي الأبعاد، وإنتاج نظارات عكاظ ثلاثية الأبعاد. إن (سوق عكاظ) نموذج حي للمشاريع الحضارية التي تمازج بين الماضي والحاضر، وتؤاخي بين الأصالة والمعاصرة، وتجمع بين وهج المعرفة وحركة الاقتصاد، إنه صورة من صور الطموح الذي يتجسد واقعا، والحلم الذي ينتصب واقفا، والفكرة التي تصبح مشروعا. ولذلك فإن قيمة السوق الكبرى ليست فقط في مضمونه على أهميته، ولا في مناشطه على نفاستها، وإنما هي في هذه الرسالة (الوطنية الإنسانية الحضارية) التي يحملها، الرسالة التي تقول: إن الآمال على يد الرجال تصبح أعمالا، ولو أن كل صاحب فكرة أو رؤية نافعة فعل بها ما فعل خالد الفيصل بفكرة (سوق عكاظ) لأنبتت بلادنا آلافا من المشروعات والإنجازات، ولأضفنا بذلك إلى فخرنا فخرا، وإلى إنجازنا الوطني إنجازا.