التَّجارُب الإنسانيّة تُعلِّمنا أنَّ قلَّة مِن البَشر حَملوا أنفُسَهم بأنفُسِهم؛ في أشدِّ الظّروف قَسوة، وافترشوا الأرض وتَوسَّدوا حِجارتها، وتزمَّلوا بجلُودِهم وتلحَّفوا السَّماء، ولَم يَنتظروا «فَزعةً» مِن قَريب، أو «إحسانًا» مِن مُحسن، أو «مُساعدةً» مِن صَديق..! فالألم الذي يُجفِّف مَآقي دموعك -وإن بعد حين- كَان وما يَزال وسيَظل طَريقك إلى الأمل، مَهما كَثُر المُنظِّرون الذين يَسترزقون مِن بيع الهَواء، الذين يُسمّونه «تَطوير الذَّات»، ومَهما تَعاطف مَعك البَشر، وأشفق عَليك الحَجَر، ورَأف بحَالِك المَطر، لأنَّ المُعاناة تَصنع النّفوس الصَّلبة؛ التي تَكتسب مَناعة ضِد مُنغّصات الحياة، ومَن أخذ نَصيبه مِنها فلن يَتوقَّف كَثيرًا عند العَقبات والعَراقيل..! حَسنًا.. ها هو شَارلي شَابلن -أحد العُظماء الذين لَم تَلعب الصُّدفة دَورًا في صناعة مَوهبتهم- يَقول: «لابد للمَرء أن يَكون وَاثقًا مِن نَفسه، هذا هو السّر.. حتَّى عندما كُنتُ أعيش في مَلجأ الأيتام، وحتَّى عندما كُنتُ أهيم على وَجهي في الشَّوارع والأزقَّة؛ بَاحثًا عن لُقمة خُبز أملأ بها معدَتي الجَائعة.. حتَّى في هذه الظّروف القَاسية، كُنتُ أعتبر نَفسي أعظم مُمثِّل في العَالَم..! كُنتُ أشعر بالحَماس الشَّديد يَملأ صَدري لمُجرَّد أنَّني أثق في نَفسي.. ولَولا هذه الثّقة لكُنتُ قَد ذَهبتُ مَع النِّفايات إلى مَزبلة الفَشل»..! شارلي شابلن -طبعًا- لم يَتعلَّم الثّقة بالنَّفس مِن المَعاهد والجَامعات، ولا مِن تَربية الأُسر المُترفة أو المتوسّطة، بل تَعلَّمها مِن تَغلّب أمله -أي ثِقته بنَفسه- عَلى حُزنه الذي فَشل في الإجهاز عليه، حتَّى في أكثر أحواله سوءًا.! ومِثل هذا نَجده عند عَبقري آخر اسمه «آرتش لاستبيرج»، حيثُ يَقول: «إنَّ الثّقة بالنَّفس هي كَلِمَة السّر للنَّجاح، فهي تَسمح لك بأن تكون وَدودًا، مُتواضعًا، مُنفتحًا، مُهتمًّا بمَن حَولك، مُستقيمًا، مُستمعًا جيّدًا على الصَّعيد الخّارجي.. أمَّا داخليًّا فستصبح مُتنبّهًا مُفعمًا بالحيويّة، وفي أعمق المستويات مَوضوعيًّا»..! والثّقة بالنَّفس تُعلِّمنا أنَّنا نَستطيع أن نُقدِّم أفضل ممَّا قَدَّمناه، وأن ما يَنتظرنا أفضل ممَّا تَركناه خَلف ظهورنا، وأنَّ الصَّبر سيُكافأ، والصِّدق سيُحتفى به -وإن آجلاً-، وأنَّ كُلّ مُعاناتنا ستُصبح مُجرَّد ذكريات، نتندَّر عليها، ونضحك مِن سَذاجتنا حين ظننَّا -غير آثمين- أنَّ كُلّ «مطب» يَعني نهاية العَالَم..! فمَا أحوجنا إلى إعادة بَثّ الأمل في مَناحي الحياة، مَهما كَثُر -بيننا- المُتشائمون الذين تَعبث بهم الظّنون..!.